وَاجْعَلْ لِوَجْهِكَ مُقْلَتَيْنِ كِلاهُمَا **** مِنْ خَشْيَةِ
الرَّحْمَنِ بَاكِيَتانِ
لَوْ شَاءَ رَبُّكَ كُنْتَ أيْضًا مِثْلَهُمْ **** فالقلبُ بَيْنَ
أَصابِعِ الرَّحْمَنِ
وَاحْذَرْ كَمائِنَ نَفْسِكَ اللاَّتي مَتَى **** خَرَجَتْ علَيْكَ
كُسِرْتَ كَسْرَ مُهانِ
****
قوله:
لو شاء ربك كنت أيضًا مثلهم، أي: مثل هؤلاء الكفرة والعصاة، فلا تُزَكِّ نفسك،
ولكن احمد الله أن عافاك مِمَّا أصابهم، واخشَ أن تنحرف مثلهم؛ لأن القلوب بين
أصابع الرحمن؛ فالإِنسَان لا يأمن على نفسه من الضلال مهما بلغ من العلم والتقوى،
فلا يأمن على نفسه من الانحراف؛ لأنه إن أمنَ على نفسه فهو حرِيٌّ أن يُصاب، فينظر
إلى المُبتلَين؛ فيحمد الله على العافية، ويخشى أن يصيبَه مثل ما أصابهم؛ لأن ما
أصابهم إنما هو بقضاء الله وقدره، ولو شاء الله لجعلك مثلهم.
احذر شرور نفسك، فالإِنسَان أخطر ما عليه شرور نفسه، فإذا وقاه الله شرور نفسه وقاه غيرها من باب أوْلَى؛ ولهذا كان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، يقول: «وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا» ([1]) فالإِنسَان إذا وُقي شرَّ نفسه فإنَّه يُوقى غيرها من باب أولى، فالنفس خطرها عظيم، ولهذا يقول جل وعلا: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الحشر: 9].
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (1105)، والنسائي رقم (1404)، والطبراني في «الكبير» رقم (8148).