ردَّ على هذا القولِ الذي يقول: إنَّ جبريلَ أخذَ
القرآنَ من اللوحِ المحفوظ، يعني لم يأخذْه عن الله، هذا حاصِلُ مذهبِ الذين
يقولون: إنّه عبارة عن المعنى النفسي وليس هو عن مشيئة وإرادة، وأمّا القائلون
بأنّه عن مشيئةٍ وإرادة فهم أيضًا ثلاث طوائف.
- الجهميةُ والمعتزِلةُ الذين يقولون: إنّ القرآنَ
مخلوقٌ خلقَه اللهُ خارجَ ذاتِه، إمَّا في جبريل وإمَّا في محمد وإمَّا في اللوحِ
المحفوظ، المهم أنه مخلوقٌ وإضافتُه إلى اللهِ إضافةُ مخلوق إلى خالقِه، كناقةِ
الله، وبيت الله، وتسميته كلام اللهِ من بابِ المجاز.
- قول الكَرّامية الذين يقولون: إنّ القرآنَ كلامُ اللهِ حقيقة، ولكن جنس الكلام مُحدَث كسائر الصفات عندهم منعًا للتسلسل في الماضي، فيقولون: جميعُ أفعالِ الله إنما هي محدثة وليست قديمة، بمعنى أنه مضى على اللهِ وقتٌ وهو غير متصف بها، ثمّ اتصف بها، ومنها: الكلام حذرًا من تعدُّد القدماء، وهذا من أقبح الجهل؛ لأن الكلام صفة من صفات الله، والله جل وعلا بصفاته قديمٌ أوليٌّ، ولا يلزَمُ من هذا التعدُّد في الربوبية؛ لأن الصفات ليست ذواتًا أخرى تُشارِك الله في القِدَم والربوبية، وإنّما هي صفاتٌ للموصوف، فإذا قلتُ مثلاً: هذا الإنسان كاتبٌ وخطيبٌ ونحْوي وفقيه، هل يلزَم من هذه الصفات تعدد الأشخاص؟ لا يلزَم منه ذلك، هو شخصٌ واحدٌ وهذه صفاتُه، كذلك - الربُّ جل وعلا - وللهِ المَثَلُ الأعلى فهو بصفاتِه قديمٌ أزلي لا بدايةَ له، ولا يلزَم من قِدم صفاتِه - تبعًا لذاته تعدد الآلهة والقدماء،