فلأيّ شَيْءٍ أَعْرَضَا عَنْهُ وَلَمْ **** نَسْمَعْهُ فِي
أَثَرٍ وَلاَ قُرْآنِ
لَكِنْ أَتانَا بَعْدَ خَيْرِ قُرُونِنَا **** بِظُهُورِ
أَحْداثٍ مِنَ الشَّيْطَانِ
وَعَلَى لِسَانِ الجَهْمِ جَاؤوا حِزْبُهُ **** مِنْ كُلِّ
صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَيْرَانِ
****
لماذا الكتابُ والسُّنَّة أعرضا عن هذا الدليلِ الَّذي
أنتم تتشدَّقُون به؟ ما أعرضا عنه إلا لأنّه باطلٌ، لو كان حقًّا لتضمَّناهُ
ولَبيَّناهُ.
منشأ الضلال إنّما حدث بعد القرونِ المُفضَّلة حينما انتشرت الفِرَق من جهمية ومعتزلة وقدريّة وشيعة بمختلف فِرَقها، حدث هذا الخلل، وأما وقت القرون المفضلة وهي التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذينَ يَلُونَهُمْ» ([1]) فما عُرفت هذه الأشياء، ما كان المسلمون يشتغِلُون إلا بالكتابِ والسُّنَّةِ، وما حدث علمُ المنطق وعلم الكلام وعلم الجدَل، إلا بعدما عُرِّبت كُتُب الروم واليونان يد المأمون بسبب الوزراء الَّذين حوله؛ حيث أشاروا عليه، وضلَّلوه؛ فحصل ما حصل، ولكن - والحمد لله - القرآن والسُّنّة محفوظان، والحقُّ موجودٌ لمن أراده، وإنما هذا ابتلاءٌ وامتحانٌ مِن الله سبحانه وتعالى للعباد؛ ليتميزَ المؤمنُ من المنافق، وطالبُ الحقِّ مِن طالب الضّلال. وما وُجد شيء، إلا بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى ولحكمة، فوجود هذه الحوادث لحكمةٍ إلهيَّة، من أجل الاختبار والامتحان،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2533).