قولُه: «إِلاَّ من الهَمَجِ الرُّعاع أَتْباعِ
كلِّ ناعقٍ يميلون مع كلِّ ريحٍ» يعني: دهماءُ النَّاس، يتبعون كلَّ ناعقٍ، لا
يدرون أَيْنَ يتَّجهون، أَمَّا أَهْلُ العلم - أَهْلُ الرُّسوخ والثَّباتِ -
فإِنَّهم يتبعون الحقَّ، فلا تغترُّ بالكثرة، كثرةِ أَهْلِ الشَّرِّ، قال تعالى: ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن
فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ﴾ [الأنعام: 116]،
العِبْرَةُ بمن على الحقِّ ولو كان قليلاً، قال تعالى: ﴿كَم مِّن
فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ [البقرة: 249].
قولُه: «فمن كان هكذا، فلا دِيْنَ له»
الذي يَتَذْبَذَبُ ليس له دِيْنٌ، فهو منافقٌ، قال تعالى: ﴿مُّذَبۡذَبِينَ
بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن
يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا﴾ [النساء: 143]،
فالمُذبذِبُ هذا ليس له دِيْنٌ.
قولُه: «قال اللهُ عز وجل: ﴿فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا
مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ﴾ [الجاثية: 17] » فهم لو اختلفوا عن جَهْلٍ
فإِنَّها تهون المصيبةُ، ولكنْ اختلفوا وهُمْ يعلمون؛ لأَنَّهم اتبعوا هواهم
فاختلفوا، ولو اتَّبعوا الحقَّ لاتَّفقوا واجتمعوا، قال تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ
جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾ [آل عمران: 103]، فإِذا كان مخالفةُ الحقِّ عن جهلٍ
فهذه يُرْجَى أَنَّها تزول، أَمَّا إِذا كانت عن علمٍ فصعبٌ زوالُها، لأَنَّ اللهَ
جل وعلا يقول: ﴿وَمَنۡ أَضَلُّ
مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ﴾ [القصص: 50] لا
أَحدٌ أَضلُّ منه، وقوله تعالى: ﴿فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ
إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ﴾ [الجاثية: 17]
يعني: بني إِسْرَائِيْلَ، ما اختلفوا عن جهلٍ، وإِنَّما اختلفوا عن هوًى، وكذلك من
شابَههم من هذه الأُمَّةِ.
الصفحة 2 / 199