×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

قولُه: «إِلاَّ من الهَمَجِ الرُّعاع أَتْباعِ كلِّ ناعقٍ يميلون مع كلِّ ريحٍ» يعني: دهماءُ النَّاس، يتبعون كلَّ ناعقٍ، لا يدرون أَيْنَ يتَّجهون، أَمَّا أَهْلُ العلم - أَهْلُ الرُّسوخ والثَّباتِ - فإِنَّهم يتبعون الحقَّ، فلا تغترُّ بالكثرة، كثرةِ أَهْلِ الشَّرِّ، قال تعالى: ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ [الأنعام: 116]، العِبْرَةُ بمن على الحقِّ ولو كان قليلاً، قال تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ [البقرة: 249].

قولُه: «فمن كان هكذا، فلا دِيْنَ له» الذي يَتَذْبَذَبُ ليس له دِيْنٌ، فهو منافقٌ، قال تعالى: ﴿مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا [النساء: 143]، فالمُذبذِبُ هذا ليس له دِيْنٌ.

قولُه: «قال اللهُ عز وجل: ﴿فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ [الجاثية: 17] » فهم لو اختلفوا عن جَهْلٍ فإِنَّها تهون المصيبةُ، ولكنْ اختلفوا وهُمْ يعلمون؛ لأَنَّهم اتبعوا هواهم فاختلفوا، ولو اتَّبعوا الحقَّ لاتَّفقوا واجتمعوا، قال تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ [آل عمران: 103]، فإِذا كان مخالفةُ الحقِّ عن جهلٍ فهذه يُرْجَى أَنَّها تزول، أَمَّا إِذا كانت عن علمٍ فصعبٌ زوالُها، لأَنَّ اللهَ جل وعلا يقول: ﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ [القصص: 50] لا أَحدٌ أَضلُّ منه، وقوله تعالى: ﴿فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ [الجاثية: 17] يعني: بني إِسْرَائِيْلَ، ما اختلفوا عن جهلٍ، وإِنَّما اختلفوا عن هوًى، وكذلك من شابَههم من هذه الأُمَّةِ.


الشرح