فالخروجُ من الدِّين يحصل:
إِمَّا بالتَّساهُلِ، وإِمَّا بالتَّشدُّدِ، فعليكَ بالوَسَطِ بين التَّساهُلِ
والتَّشدُّدِ، وهذا هو ما كان عليه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وأَصْحابُه،
والغُلُوُّ يُخْرِجُ الإِنْسانَ من الدِّين؛ كما أَخْرَجَ الخوارجَ، قال صلى الله
عليه وسلم فيهم: «يَمْرُقُونَ مِنَ
الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» ([1])، فالغُلُوُّ
يُخْرِجُ الإِنْسانَ من الدِّين:
* إِمَّا إِخْراجٌ كاملاً إِلى الكُفْرِ.
* وإِمَّا إِخْراجًا جُزْئِيًا بحسبِ ما يحصل له.
وقد يكون الغُلُوُّ في الدِّين في العبادة، مثلُ غُلُوِّ النَّصَارَى في الرُّهْبانيَّة، ومثلُ الذين جاؤُوا إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يسأَلون عن عملِه، فلما أُخْبَرُوا كأَنَّهم تَقَالُوا عملَ الرَّسُولِ ولكنْ قالوا: «إِنَّ الرَّسُولَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» يعني: فليس هو بحاجةٍ إِلى كثرةِ العمل، فلمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك غَضِبَ عليهم غضبًا شديدًا، وخطب صلى الله عليه وسلم وقال: «أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهِ، وأَتْقَاكُمْ للهِ، وإِنِّي أُصَلِّي وأَنَامُ»؛ لأَنَّ واحدًا منهم قال: أَنَا أُصَلِّي ولا أَنَامُ. قال الثَّاني: أَنَا أَصُومُ ولا أُفْطِرُ. كلُّ عُمْرِه يصوم، وقال الثَّالثُ: أَنَا لا أَتزوَّجُ النِّساءَ، تبتلَّ تفرَّغ للعبادة، قال صلى الله عليه وسلم: «أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهِ، وأَتْقَاكُمْ للهِ، وإِنِّي أُصَلِّي وأَنَامُ، وأَصُومُ وأُفْطِرُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([2]) في روايةٍ أَنَّ أَحدَهُمْ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3166)، ومسلم رقم (1064).
الصفحة 14 / 199