×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

بالنَّاس ودعوتُهم لا تفيد شيئًا فالاعتزالُ أَحْسنُ، وهذا في الذي عنده علمٌ، أَمَّا الذي ليس عنده علمٌ فهذا يعتزل على كلِّ حالٍ؛ لئَلا يُفْتَنَ وهو لا يدري، ولا يعرف، فالجاهلُ يلزم بيتَه، أَمَّا العالمُ فكما ذَكَرْنَا من التَّفْصيل.

قولُه: «وإِيَّاكَ والعصبيَّةَ» أي: التَّعصُّبُ للباطل، والانتصارُ لرَأْيِك، أَوْ لجماعتك التي تنتمي إِليها، اجْعَلِ الحقَّ هو مقصودُك وهدفك، سواءً كان معك أَوْ مع غيرِك، سواءً كان مع جماعتك أَوْ مع جماعةٍ غيرِ جماعتِك، اجْعَلْ هدفَك الحقَّ، والحقُّ ضالةُ المؤمنِ أَيْنَمَا وَجَدَهُ أَخذه، أَمَّا من يتعصَّب لرَأْيِه ويرفض الحقَّ؛ فهذا من دِيْنِ الجاهليَّة، ومن عصبيَّة الجاهليَّة، وليست من الإِسْلام، فالمسلمُ يبحث عن الحقِّ، ويتبع الحقَّ مع من كان، هذا هو المسلمُ الصَّحيحُ، يجعل هواه تابعًا لما جاءَ به الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم؛ كما وَرَدَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الأَرْبعين، وصحَّحه النَّوَوِيُّ رحمه الله قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لمَّا جِئْتُ بِهِ» ([1])، وهذا يصدِّقه قولُه تعالى: ﴿كُلَّمَا جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا يَقۡتُلُونَ [المائدة: 70].

قولُه: «وكلُّ ما كان من قتالٍ بين المسلمين على الدُّنْيا فهو فتنةٌ» القتالُ بين المسلمين لا يجوز؛ لأَنَّ دمَ المسلم حرامٌ، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ،


الشرح

([1])  أخرجه: ابن أبي عاصم في «السنة» رقم (15)، وابن بطة في «الإبانة» رقم (279).