فالهدايةُ لها سببٌ، والضَّلالُ
له سببٌ من قِبَلِ العبدِ، فهذا يجب التَّنبُّهُ له؛ لأَنَّ هناك من يقول: إِنْ
كان قدَّر لي الهدايةَ فسَأَهْتَدِي، وإِنْ قدَّر لي الضَّلالة فسَأَضّلُ. هذا
كلامٌ باطلٌ، واحتجاجٌ بالقَدَرِ، وينسى هذا أَنَّ فعلَ السَّبب من قِبَلِه هُوَ،
لن يحصلَ على الهدايةِ بدون سببٍ أَبدًا، أَنْتَ إِذا أَرَدْتَ الأَوْلادَ لا بدَّ
أَنْ تتزوَّجَ، وتفعل السَّببَ وهو الزَّواجُ.
أَمَّا لو بقيتَ أَعْزبَ ولم تتزوَّجْ فلن يَأْتِيَك أَوْلادٌ؛ وكذلك
الرِّزْقُ، أَنْتَ لو جلستَ ولم تعملْ شيئًا واعتمدتَ على القَدَرِ لن يَأْتِيَك
شيءٌ، وإِذا قمتَ وعملتَ وتسبَّبتَ وطلبتَ الرِّزْقَ يسَّر اللهُ لك، الطُّيورُ
والبهائِمُ لا تبقى في أَوْكارِها ومَأْوَاها، بل «تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» ([1])، تذهبُ لطلبِ
الرِّزْقِ، فلا بدَّ من فعلِ السَّبب فالهدايةُ لا تحصل بدون سببٍ، والضَّلالُ لا
يحصل بدون سببٍ من العبد، لأَنَّ اللهَ لا يظلم أَحدًا، فالذي يريد الخيرَ
يُيَسِّرُه اللهُ للخيرِ ويشرحُ صدرَه له، والذي يريد الشَّرَّ يُيَسِّرُهُ اللهُ
للشرِّ ويُهَيِّئُه له، جزاءً على مُيُولِه ورغبتِه، فليتفطَّنِ العبدُ لهذا
الأَمْرِ فإِنَّه دقيقٌ جدًّا، فلا بدَّ من فعلِ الأَسْباب لجميع الأُمور، ومنها
الإِيْمانُ والهدايةُ، ودخولُ الجَنَّةِ والنَّارِ.
فقولُه: «ومَنَّ من بعدِ ذلك على مَن يشاءُ بالإِسْلام تفضُّلاً منه» أَيْ: مَنَّ اللهُ على من يشاءُ بالإِسْلام تفضلاً منه سبحانه، لكن التَّفضُّلَ من اللهِ له سببٌ، والحِرْمانُ له سببٌ من قِبَلِ العبدِ، فلا بدَّ أَنْ يُلاحَظَ هذا ولا يحتجُّ الإِنْسانُ بالقَدَرِ؛ كالذين يقولوا: ﴿سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2344)، وابن ماجه رقم (4161)، وأحمد رقم (205).
الصفحة 3 / 199