قال
المُؤَلِّفُ رحمه الله: والمكاسبُ ما بان لك صِحَّتُه فهو مطلقٌ، إِلاَّ ما ظهَر فسادُه،
وإِنْ كان فاسدًا يأْخذ من الفساد مُمْسِكَةَ نفسِه، ولا تقول: أَترك المكاسبَ وآخذ
ما أَعْطوني، لم يفعلْ هذا الصَّحابةُ ولا العلماءُ إِلى زمانِنا هذا، وقال عُمَرُ
بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: «كسبٌ فيه بعضُ الدَّنِيَّةِ خيرٌ من الحاجةِ إِلى النَّاس»
([1]).
**********
قولُه: «فإِنَّه عسى أَنْ يتوبَ هذا فيريد أَنْ
يَرُدَّهُ على أَرْبابِه فأَخَذْتَ حرامًا» فلا يجوز أَخْذُك شيئًا تعلم
بأَنَّه حرامٌ، ومن مكسبٍ حرامٍ لأُمورٍ:
أَوَّلاً: أَنَّك تعلم أَنَّه حرامٌ فكيف تستحلُّه وأَنْتَ تعلم أَنَّه
حرامٌ، وأَنَّ هذا الشَّخْصَ لا يملكه.
ثانيًا: لو تابَ هذا الظَّالمُ وأَراد أَنْ يَرُدَّ المالَ وقد أَخَذْتَه
منه، فإِنَّه لا يتمكَّن من رَدِّهِ.
ثالثًا: أَنَّك تكون شريكًا له في الجريمةِ والظُّلْمِ.
قولُه: «والمكاسبُ ما بان لك صِحَّتُه فهو مطلقٌ» قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ([2]) فالحلالُ البيِّنُ يُؤْخَذُ؛ لأَنَّ الأَصْلَ في المعاملات الحلُّ إِلاَّ ما تبيَّن أَنَّه حرامٌ؛ وكذلك الحرامُ بيِّنٌ، قال تعالى: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ﴾ [المائدة: 3]؛ وكذلك الميسرُ والقِمارُ والخمرُ
([1]) أخرجه: ابن أبي الدنيا في «إصلاح المال» رقم (321).
الصفحة 1 / 199