×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

قال المُؤَلِّفُ رحمه الله: والمكاسبُ ما بان لك صِحَّتُه فهو مطلقٌ، إِلاَّ ما ظهَر فسادُه، وإِنْ كان فاسدًا يأْخذ من الفساد مُمْسِكَةَ نفسِه، ولا تقول: أَترك المكاسبَ وآخذ ما أَعْطوني، لم يفعلْ هذا الصَّحابةُ ولا العلماءُ إِلى زمانِنا هذا، وقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: «كسبٌ فيه بعضُ الدَّنِيَّةِ خيرٌ من الحاجةِ إِلى النَّاس» ([1])

**********

 قولُه: «فإِنَّه عسى أَنْ يتوبَ هذا فيريد أَنْ يَرُدَّهُ على أَرْبابِه فأَخَذْتَ حرامًا» فلا يجوز أَخْذُك شيئًا تعلم بأَنَّه حرامٌ، ومن مكسبٍ حرامٍ لأُمورٍ:

أَوَّلاً: أَنَّك تعلم أَنَّه حرامٌ فكيف تستحلُّه وأَنْتَ تعلم أَنَّه حرامٌ، وأَنَّ هذا الشَّخْصَ لا يملكه.

ثانيًا: لو تابَ هذا الظَّالمُ وأَراد أَنْ يَرُدَّ المالَ وقد أَخَذْتَه منه، فإِنَّه لا يتمكَّن من رَدِّهِ.

ثالثًا: أَنَّك تكون شريكًا له في الجريمةِ والظُّلْمِ.

قولُه: «والمكاسبُ ما بان لك صِحَّتُه فهو مطلقٌ» قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ([2]) فالحلالُ البيِّنُ يُؤْخَذُ؛ لأَنَّ الأَصْلَ في المعاملات الحلُّ إِلاَّ ما تبيَّن أَنَّه حرامٌ؛ وكذلك الحرامُ بيِّنٌ، قال تعالى: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ [المائدة: 3]؛ وكذلك الميسرُ والقِمارُ والخمرُ


الشرح

([1])  أخرجه: ابن أبي الدنيا في «إصلاح المال» رقم (321).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (58)، ومسلم رقم (1599).