وزيارةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ لأَجْل السَّلام عليهما والدُّعاءِ لهما والاستغفارِ لهما، لا لأَجْلِ الغُلُوِّ وطلبِ البركة، أَوْ طلبِ قضاءِ الحاجات من الرَّسُول صلى الله عليه وسلم؛ كما يظنُّه الخُرافيُّون الذين يؤذون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، إِنَّما هو السَّلامُ فقط، وأَيْضًا السَّلامُ إِنَّما هو للقادم من سفرٍ سواءً كان من أَهْلِ المَدِيْنَةِ، أَوْ من خارجِ المَدِيْنَةِ، فالقادمُ من سفرٍ يُسلِّمُ عليهم أَوَّلَ ما يدخل المسجدَ بعد السَّفر، ولا يكرِّر السَّلام عليهما كلَّما دخل المسجدَ النَّبويَّ؛ لأَنَّ الصَّحابةَ رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا» يعني: تتردَّدون عليه؛ لأَنَّ العِيْدَ هو ما يُعتاد ويتكرَّر، فلا يُتَّخَذُ عادةً كلَّما دخل المسجدَ النَّبويَّ يذهب ويُسلِّمُ على النَّبيِّ وعلى صاحبيه، هذا بدعةٌ، وهذا وسيلةٌ إِلى الشِّرْك، ومن اتِّخاذ قبرِه عيدًا، إِنَّما هذا للقادم من سفرٍ، وكان ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذا قَدُمَ من سفرٍ أَتَى واستقبل وجهَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وقال: «السَّلامُ عليكَ يا رَسُولَ الله ورَحْمةُ اللهِ وبركاتُه» ثم يتأَخَّر قليلاً نحوَ الشَّرْق عن يمينِه ويقول: «السَّلامُ عليك يا أَبَا بَكْرِ الصِّدِّيقَ ورحمةُ الله وبركاتُه»، ثم يتأَخَّر عن يمينه قليلاً ويقول: «السَّلامُ عليكَ يا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ ورحمةُ الله وبركاتُه» ثم ينصرف ([1])، وإِذا أَراد أَنْ يدعوَ فإِنَّه يتنحَّى ويستقبل القِبْلةَ ويدعو اللهَ، لا يستقبل القبرَ، إِنَّما يستقبل القِبْلة.
([1]) أخرجه: عبد الرزاق في «المصنف» رقم (6724)، وابن أبي شيبة في «المصنف» رقم (11793).
الصفحة 4 / 199