×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

قال المُؤَلِّفُ رحمه الله: ومن ترك صلاةَ الجمعة والجماعةِ في المسجد من غيرِ عُذْرٍ فهو مبتدعٌ، والعُذْرُ: كمرضٍ لا طاقةَ له بالخروج إِلى المسجد، أَوْ خوفٍ من سُلْطانٍ ظالمٍ، وما سوى ذلك فلا عُذْرَ لك. 

**********

قولُه: «ومن ترك صلاةَ الجمعة والجماعةِ في المسجد من غيرِ عُذْرٍ فهو مبتدعٌ»؛ لأَنَّه معتزلٌ عن جماعة المسلمين، واعتزالُ جماعةِ المسلمين والشُّذوذُ بدعةٌ، صلاةُ الجماعةِ واجبةٌ وفرضٌ على المسلم؛ وكذلك آكدُ من هذا صلاةُ الجمعة، فيجب على المسلم أَنْ يحضرَ الجمعةَ والجماعةَ مع المسلمين، ولا يعتزل عن جماعةِ المسلمين في الصَّلاة في الجمعة والجماعةِ؛ لأَنَّ الصَّلاةَ في الجماعة لا بدَّ منها؛ لأَنَّ صلاةَ الجماعةِ واجبةٌ وفرضٌ على كلِّ مسلمٍ، ويَأْثمُ من تركها، بل يُؤَدَّبُ أَيْضًا؛ لأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، فَلَمْ يُجِبْ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ» قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: «خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ» ([1]).

ولمَّا جاءَ رجلٌ أَعْمى إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يذكر له ما بَيْنَهُ وبينَ المسجدِ من المشقَّة وليس له قائِدٌ يُلاَئِمُهُ، وطَلَبَ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَن يرخصَ له أَنْ يُصلِّيَ في بيتِه، قال له صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» ([2]) فالذي يسمع النِّداءَ لا يَسَعَهُ أَنْ يتخلَّفَ؛ ولهذا قال: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، فَلَمْ يُجِبْ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ صلاتُه غيرُ صحيحةٍ،


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (551)، والدارقطني رقم (1557)، والحاكم رقم (896).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (653).