فالذِي يُجالس أهلَ الخيرِ فهذا دليلٌ على أنه يُحب الخيرَ وأهلَ الخيرِ،
والذي يجالسُ أهلَ الشرِّ هذا دليلٌ على أنه يَألفُ الشرَّ ويُحب أهلَ الشرِّ،
واللهُ جل وعلا يَقُول: ﴿وَإِذَا رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ
غَيۡرِهِۦۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ
مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 68].
وقالَ تَعالى: ﴿وَقَدۡ نَزَّلَ
عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا
وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ
غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ
وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء: 140]، وأمرَ
نبيَّه أن يجلسَ مع أهلِ الخيرِ فقالَ تَعالى: ﴿وَٱصۡبِرۡ
نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجۡهَهُۥۖ﴾ [الكهف: 28].
فأمرَه اللهُ أن يَجلس مع بِلاَلٍ وعَمَّار وسَلْمَان فُقَرَاء الصحَابة
ولا يَجْلس مع أَكَابِر قُرَيْشٍ وغَيْرِهم، كان صلى الله عليه وسلم يَجْلس معهم
طَمَعًا في إيمَانهم وتَأليفهم، ولكنّ اللهَ نهَاهُ عن ذلك؛ لأنهم قَالوا: اطْرُدْ
عنّا هؤلاء حتى نَجْلس ونَسْمع لك.
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم من حِرصه على الخيرِ هَمَّ أن يَجعل لهؤلاء
الضعفَاء مجلسًا آخرَ، استجابةً لطلبِ الأكابرِ من قُرَيْشٍ طمعًا في إسلامِهم،
فنَهَاهُ اللهُ عن ذلك قبل أن يُنفِّذه، وقال: ﴿مَنۡ
أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ
فُرُطٗا﴾ [الكهف: 28] لأن اللهَ يَعلم أن هؤلاء لا يَقْبَلُون
ولا يُؤمِنون، فقالَ له: ﴿وَلَا
تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجۡهَهُۥۖ﴾ [الأنعام: 52].
الصفحة 3 / 199