تُصدِّقهم؛ فإنه يؤثِّر على قلبِك، وتَتهاون فيها في المُستقبل؛ لأنه إذا
كَثُر الإمسَاس قَلَّ الإحسَاس كمَا يقُولون.
قَبل أن تأتيَ هذه الفضائِيَّات وما يَدُور فيها من الجِدال في الدينِ
والعَقيدة كانَ المُسلمون في هَذه البلادِ على عقيدةٍ سليمةٍ، وليسَ عِندهم شكوكٌ
ولا أَوْهَام، ولا أحدَ يتجرَّأ منهم أنه يتكلَّم في مَسألةٍ من مَسائل الدينِ، بل
يَرجعون فيها إلى عُلمائهم، أما الآنَ فصَارت أمورُ الدينِ مَحَلّ الجِدال
والأَخْذ والردّ، وحُرية الرأيِ كما يَقولون، بسببِ هَذه الفَضائيات الخَبيثة.
فالأمرُ خطيرٌ جدًّا، يقولُ قَائلهم: هذه المَسألة فيها خِلافٌ، والعُلماء
يَكتمون هَذا عنَّا، فهذا يَقدح في نُفوس الناسِ، العُلماء يعلمونَ الخِلاف، ولكن
لا يُبيِّنونه للناسِ إنما يُبيِّنونه فيما بينَهم، ويَبحثون فيما بينَهم؛ لأنهم
أهلٌ لذلك، أما إنَّهم يَذكرونه للناسِ وعلى المَنابر وفي الإذاعةِ، يَقولون:
المَسألة فيها خلافٌ، وفيها أقوالٌ، هذا فيه تشكيكٌ في الدينِ فلا يَجوزُ.
قولُه: «وما كانتْ زندقةٌ قَطُّ، ولا
بِدعَةٌ، ولا هوًى، ولا ضَلالة، إلا مِن الكَلام والجِدال والمِراء والقِياس»؛
لأنه يَفتح المَجال للناسِ للجَدَل في أمورِ الدينِ، «والقِياس» يَعني: القِياس الفَاسد، أما القِياس الصَّحيح فهذا مِن
أصولِ الأدلَّة، فالقِياس ثلاثةُ أنواعٍ:
الأول: قِياس الأَوْلَى، بأن يُقال: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي
يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ﴾ [الروم: 27].
الصفحة 3 / 199