فأخبرَ-سُبحانه- أنه أنزلَ القُرآن فيه آياتٌ مُحكَماتٌ واضحةُ المَعنى لا
تَحتاج في تَفسيرها إلى غيرِها، وآياتٌ مُتشابِهات تَحتاج في تفسيرِها إلى غَيرها
من كِتاب اللهِ وسنَّة رسولِه صلى الله عليه وسلم، وذلك كالمُطلَق والمُقيَّد،
والمُجمَل والمُبيَّن، والنَّاسِخ والمَنسُوخ، كُل هذا موجودٌ في كَلام اللهِ،
وكَلام رسولِه.
فأَهل الزيغِ يأخذونَ المُتشابِه ويترُكون المُحكَم، لأنهم يُريدون
الفِتنة، ويقولونَ: نحن نَستدِلّ بكلامِ اللهِ وبكَلام رسُوله صلى الله عليه وسلم
ويأخذونَ طرفًا وهو المُتشابِه، ويَتركون الطرفَ الآخَر الذِي يُفسِّره ويوضِّحه،
ويقيِّده ويبيِّنه، أما الراسخونَ في العِلم الثابتونَ في العِلم فإنهم يَقولون:﴿ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ
عِندِ رَبِّنَاۗ﴾ فيَرُدُّون المُتشابِه إلى المُحكَم، فيفسِّره ويوضِّحه
ويبيِّنه لهم فيَعملون بالقُرآن كلِّه، وبالسنَّة كُلها، ويَقولون:﴿ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ
عِندِ رَبِّنَاۗ﴾.
أما أهلُ الزيغِ فيأخذونَ طرفًا ويَتركون الطرفَ الآخَر، ويَقولون: هذا مِن
القُرآن، نَعَمْ هو مِن القُرآن ولكِن هو في نَفسه غيرُ واضحٍ يَحتاج إلى توضيحٍ،
واللهُ قد وضَّحَه في آياتٍ أُخَرَ، والرَّسُول صلى الله عليه وسلم قد وضَّحَ في
أحاديثَ صحيحةٍ فيُرَدُّ كَلام اللهِ وكَلام رسولِه إلى بَعضه، فيفسِّر بعضُه
بعضًا، ويصدِّق بعضُه بعضًا، ويوضِّح بعضُه بعضًا، هذه طريقةُ أهلِ العِلم
الراسخينَ.
أما أهلُ الزيغِ فإنهم يَأخذون ببَعض الكِتاب ويَتركون بعضَه، وهذا مَوجودٌ
في كُل زمانٍ ومَكان، بَعضهم يَفعل هذا عن تعمُّد ويُريد التضليلَ، وبَعضهم يفعلُ
هذا عن جهلٍ لأنه مُتعالِم لا يَدري،