لم يدرُس الأصولَ، ولم
يدرُس علومَ القُرآن وعلومَ الحديثِ والمُصطلح وأصولَ الفِقه، لم يَدرس هذه
الأمورَ، غايةُ ما هناك أنه كَثير المُطالعة وكَثير الحِفظ فظَنَّ أنه عالمٌ.
إذا كَان يحفظُ كثيرًا ويُطالع كثيرًا، لكِن ليسَ عِنده أصولُ العلمِ
وقَواعد العِلم؛ لأنه لم يتعلَّم على أهلِ العِلم - فهَذا على جهلٍ وهو في نَفس
الأمرِ ضالٌّ؛ لأنَّ الطريقَ الذِي يَسير فيه طريقُ ضلالٍ، أمورُ الدينِ وأمورُ
الأحكامِ الشرعيةِ تَحتاج إلى عِنايةٍ، وتَحتاج إلى تعلُّمٍ، وتَحتاج إلى تَلَقِّي
عن أهلِ العِلم، فهم بينَ أَمْرَيْنِ:
إما زائغٌ يَعرِف أنه مُخطِئ ولكن يُرِيد التَّضْلِيل، ويَقول: هذه آيةٌ،
وهذا حديثٌ وأنَا أَسْتَدِلُّ من كلامِ اللهِ ومن كَلام رسولِه. ويَغُرّ الناسَ.
وإما جاهلٌ لا يَدري ما طَريقة الاستدلالِ، ولا طَريقة فَهْم النصوصِ، لا
يَعرف هذه الأمورَ؛ لأنه لم يتعلَّم على أهلِ العِلم فإنما تَعَلَّمَ على الوَرَق.
فالأمرُ خطيرٌ جدًّا؛ لذلك يتعيَّن على طلبةِ العِلْم أن يَعتنُوا بهذا
الأمرِ، وأن يَدرُسوه دراسةً حقيقيةً على أهلِ العِلم، وعلى أهلِ البَصيرة إن كَانوا
يُرِيدون الهُدى والخَير، وإلا فالمَسألة خطيرةٌ جدًّا، وليسَ الأمرُ مَقصورًا
عليهم أنهم يَهلكون وَحْدَهم، لكن يُهْلِكون غَيرهم مِمَّن يَقتدي بهم ويَتَّبعهم.