اللاحِقةِ، بحيث
تكُون تلك الأَخْطَاءُ الاجتهاديَّةُ سببًا في ضلال من يَأْخُذُ بها، وَفِي
ابتعَادِه عن الكتاب والسنة؛ لذلك صَارَ منصِب الاجتهاد منصِبًا عَاليًا لا يَناله
إلاَّ من توَافَرَت فيه المؤَهلات العِلميَّةُ.
قال العَلامةُ ابن
القيِّم رحمه الله: وَلما كان التبليغُ عن الله سبحانه وتعالى يَعْتمدُ على العِلم
بما يُبلغُ وَالصِّدْق فِيه، لم تصْلحْ مرْتبةُ التبليغِ بالروَاية وَالفُتيَا
إلاَّ لمن اتصَفَ بالعِلم وَالصِّدْق، فَيكون عَالما بما يُبلغُ صَادِقا فِيه،
وَيكون مع ذلك حَسن الطَّرِيقةِ، مرْضيَّ السيرَةِ، عَدْلا في أَقوَاله
وَأَفْعَاله، متشَابه السرِّ وَالعَلانيَةِ في مدْخَله وَمخْرَجِه وَأَحْوَاله.
وَإِذَا كان منصَب التوقيعِ عن الملوكِ بالمحَل الذي لا يُنكَرُ فَضله وَلا يُجْهل
قدْرُه، وهو من أَعلى المرَاتب السنيَّات، فَكَيْفَ بمنصِب التوقيعِ عن رَب الأَرض
وَالسماوَات، فَحَقيق بمن أُقيم في هذا المنصِب أَن يَعُدَّ له عُدَّته، وَأَن
يَتأَهب له أُهبته، وَأَن يَعْلم قدْرَ المقام الذي أُقيم فِيه، وَلا يكون في
صَدْرِه حَرَجٌ من قوْل الحق وَالصَّدْعِ به، فَإِن الله ناصِرُه وَهادِيه،
وَكَيْفَ وهو المنصِب الذي توَلاه بنفْسه رَب الأَرْباب! فقال تعالى: ﴿وَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي
ٱلنِّسَآءِۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي
ٱلۡكِتَٰبِ﴾ [النساء: 127]. وَكَفَى بما توَلاه الله تعالى بنفْسه شَرَفًا وَجَلالةً؛
إِذْ يقول في كِتابه: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ
قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ﴾ [النساء: 176].
وَليَعْلم المفْتي عَمن يَنوب في فَتوَاه، وَليُوقن أَنه مسؤُول غَدًا بيْن يَدَيِ الله. انتهى. وَلما كان منصِب الاجتهاد بهذه الخُطُورَةِ. فَقدْ وَضعَ العلماء شروطا لمن يَتوَلى هذا المنصِب؛ لأَجْل تلافِي الأَخْطَارِ الناجِمةِ عن اجتهاد من لا تتوَفَّرُ فيه تلك الشروط، وَاعْتبارُ اجتهاده غير معْترَفٌ به، وَلا يجُوز العَمل به وَهذه الشروط كَما يَلي:
الصفحة 2 / 261