كَما أَن الله تعالى
جَعَل طَرِيق تعَامل الناس في معَايِشِهم قائِمًا على أَن يكون استفَادَةُ كُل
وَاحِدٍ من الآخَرِ في مقابل عَمل يَقوم به نحْوَه، أَو عَيْن يَدْفَعُها إِليْه،
وَالرِّبا خَالٍ عن ذلك لأَنه عِبارَةٌ عن إِعْطَاءِ المال مضاعَفًا من طَرَفٍ
لآخَرَ بدُون مقابله من عَيْن وَلا عَمل.
إِنَّ إِباحَةَ
الرِّبا مفْسدَةٌ من أَكْبرِ المفَاسدِ للأَخْلاق وَشُؤُون الاجْتماعِ؛ تزِيدُ
أَطْماعَ الناس، وَتجْعَلهم مادِّيِّين، لا همَّ لهم إلاَّ الاستكْثَارُ من
الأَموَال من غير أَن يَستفِيدَ منها مجْتمعُهم.
فَفِي الغَالب لا
يَخْضعُ للزيَادة الرِّبوِيَّةِ إلاَّ معْدَم محْتاجٌ، إِذَا رَأَى أَن الدَّائِن
يُؤَخِّرُ مطَالبته، وَيَصْبرُ عليه بزيَادة يَبذُلها تكَلفَ بذْل هذه الزيَادة
ليَفْتدِيَ بها من أَسرِ المطَالبةِ وَالحَبس، وَيُدَافِعُ من وَقت إِلى وَقت.
فَيَشْتدُّ ضرَرُه وَتعْظُم مصِيبته وَيَعْلوه الدَّين حَتى يستغْرِق جَميعَ
موْجُودِه فَيَرْبو المال على المحْتاجِ من غير نفْعٍ يَحْصُل له، وَيَزِيدُ مال
المرَابي من غير نفْعٍ يَحْصُل منه لأَخِيه، فَيَأْكُل مال أَخِيه بالباطِل،
وَيَحْصُل أَخُوه على غَايَةِ الضرَرِ. فَمن رَحْمةِ أَرْحَم الرَّاحِمين
وَحِكْمته وَإِحْسانه إِلى خَلقه أَن حَرَّم الرِّبا وَلعَن آكِله وَموكِله
وَكَاتبه وَشَاهدَيْه، وَآذَن من لم يَدَعْه بحَرْبه وَحَرْب رَسوله، وَلم يَجِئْ
مثْل هذا الوَعِيدِ في كَبيرَةٍ غيره، وَلهذا كان من أَكْبرِ الكبائر.
أَنواع الرِّبا:
الرِّبا نوعان -
رِبا نسيئَةٍ وَرِبا فَضل.
رِبا النسيئة:
فَالنوع الأَول رِبا النسيئة - من النَّساءِ بالمدِّ وهو التأْخِيرُ - وهو نوعان:
الصفحة 1 / 261