×
بُحُوثٌ فِقْهيَّةٌ في قضايا عصرية

فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِم اللَّه بِأَدْنَى الْحِيَل». وَالتحْيُّل لا يَرْفَعُ المفْسدَةَ التي حُرِّم الرِّبا من أَجْلها، بل يَزِيدُها قوَّةً وَتأْكِيدًا. قال العَلامةُ ابن القيِّم: وَذلك من وُجُوه عَدِيدَةٍ:

منها: أَنه يَقدُم على مطَالبةِ الغَرِيم المحْتاجِ بقوَّةٍ لا يَقدُم بمثْلها المرَابي الصَّرِيحُ؛ لأَنه وَاثِق بصُورَةِ العَقدِ وَاسمه.

وَمنها: اعْتقادُه أَن ذلك تجَارةٌ مدَارَةٌ حَاضرَةٌ وَالنفُوس أَرْغَب شَيْءٍ في التجَارَةِ.

من الذَّرَائِعِ التي حَرَّمها الشَّارِعُ لإفْضائِها إِلى الرِّبا:

1- أَنه نهى عن بيْعِ الرِّبوِيِّ عن طَرِيق الخَرْصِ وَالتخْمين في تقدِيرِهما، أَو تقدِيرِ أَحَدِهما؛ خَشْيَةً من وُقوعِ رِبا الفَضل، وقد ترْجَم لذلك العلماء بقوْلهم: الجَهل بالتساوِي كَالعِلم بالتفَاضل -. ذَكَرَ الإِمام ابن كَثِيرٍ في تفْسيرِه بسندِه عن جَابرٍ قال: لما نزَلت ﴿ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ [البقرة: 275]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ، فَلْيُؤْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» ([1])، وَإِنما حَرُمت المخَابرَةُ: وهي المزَارَعَةُ ببعض ما يَخْرُجُ من الأَرض، وَالمزَابنةُ: وهي اشْترَاءُ الرُّطَب في رُؤُوس النخْل بالتمرِ على وَجْه الأَرض، وَالمحَاقلةُ: وهي اشْترَاءُ الحَب في سنبله في الحَقل بالحَب على وَجْه الأَرْض. إِنما حَرُمت هذه الأَشياء وما شَاكَلها حَسمًا لمادَّةِ الرِّبا؛ لأَنه لا يَعْلم التساوِيَ بيْن الشَّيْئَيْن قبل الجَفَافِ، وَلهذا قال الفُقهاءُ: الجَهل بالمماثَلةِ كَحَقيقةِ المفَاضلةِ، وَمن هذا حَرَّموا أَشياء بما


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (3406)، وأبو يعلى رقم (2030)، وابن حبان رقم (5200).