وَمن هذه النقولات
عن هؤلاء الأَئمة يَتضحُ أَن القوْل بتجَزُّؤِ الاجتهاد هو القوْل الصحيح
الرَّاجِحِ الذي يُؤَيِّدُه الدليل وَالوَاقعُ، وَبالله التوْفِيق.
خُطُورَةُ الاجتهاد:
الاجتهاد مرْكَب
صَعْب وَمنصِب خَطِيرٌ؛ لأَن المجتهد يُفْتي وَيُخْبرُ عن الله وَعَن رَسوله صلى
الله عليه وسلم إِنه أَحَل كَذَا وَحَرَّم كَذَا، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ
ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ﴾ [الأعراف: 33]،
إِلى قوله تعالى: ﴿وَأَن
تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].
فَجَعَل القوْل على
الله بلا عِلم قرِينًا للشِّرْكِ، بل جَعَله أَشَدَّ من الشِّرْكِ مما يدل على
خُطُورَةِ الاجتهاد وَالفَتوَى، وَفِي الأَثَرِ: أَجْرَؤُكُم على الفَتوَى
أَجْرَؤُكُم على النارِ.
وَكَما أَن المجتهد
يُخْبرُ عن الله، فهو أَيضًا يُعَرِّض الناس للوُقوعِ في الخَطَرِ وَالضلال إِذَا
لم يتحرَّز وَيَتحَفَّظُ وَيَتأَهل؛ لأَنه قد يُحِل دَما حَرَاما، وَفَرْجًا
حَرَاما، وَمالا حَرَاما، وَطعاما حَرَاما؛ إِلى غير ذلك من المحَاذِيرِ
العَظِيمةِ.
متى يُثَاب المجتهد
المخْطِئُ:
يكون المجتهد معْذُورًا وَمثَابا على خَطَئِه إِذَا اجْتهدَ في الأَحْكَام التي هي محَل للاجتهاد، وكان من تتوَفَّرُ فيه مؤَهلات الاجتهاد، من معْرِفَةِ الناسخِ وَالمنسوخِ، وَالخَاصِّ وَالعَام، وَالمطْلق وَالمقيَّدِ، وكان على قدْرٍ من العِلم بالأَدلة التفْصِيليَّةِ من الكتاب والسنة الصحيحةِ، وَالإِجماع وَالقِيِاس وَأَقوَال الصَّحابة، وَعلى معْرِفَةٍ بلغَةِ العَرَب، وقد بذَل وُسعَه وكان هدَفُه الوُصُول إِلى الحق وَلم يُصِبه، فَإِنه يكون حِيْنئِذٍ معْذُورًا وَمثَابا على خَطِئَه.