لما في «الصحيحيْن عن أُم سلمةَ رضي الله عنها
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ
مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي له على نَحْوِ مَا أَسْمَعُ»([1])فَدَل الحديث على
أَنه يَقضي بما يَسمعُ لا بما يَعْلم. وَلننتقل إِلى النقطَةِ الثَّالثَةِ.
المؤَسسات
القضائِيَّةُ وَدَرَجَات التقاضي:
من المعْلوم أَن
شَرِيعَتنا الإِسلاميَّة كَاملةٌ وَشَاملةٌ فيها حَل كُل مشْكِلةٍ وَحُكْم كُل
نازِلةٍ، صَالحَةٌ لكل زمان وَمكان إِلى أَن تقوم الساعَةُ: ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ
مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ [الشورى: 10]. ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي
شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ [النساء: 59].
وَكَلمةُ شَيْءٍ في الآيَتيْن نكِرَةٌ في سيَاق الشَّرط تعُم كُل شَيْءٍ متنازَعٍ فيه أَو مختلف فيه فَيجب حَسم الخِلافِ وَالتنازُعِ بالتحَاكُم إِلى الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ في القليل وَالكَثِيرِ وَالجَليل وَالحَقيرِ - وَفِي زَمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان التحَاكُم إِليه في كُل شَيْءٍ، وَكذلك الخُلفَاءُ من بعْدِه، وَالقضاءُ في الأَقاليم الإِسلاميَّة كان القاضي يَتوَلى الفَصْل في جَميعِ الخُصُومات في جَميعِ الحقوق وَفِي المعَاملات وَالأَحْوَال الشَّخْصِيَّةِ وَالجِنايَات وَالحُدُودِ وَرَدِّ المظَالم، وكان القضاءُ غَالبًا في المساجِدِ وَلم تتخَذْ دُورٌ خَاصَّةٌ للقضاءِ - وكان القضاءُ في الغَالب نوعًا من الإِفْتاءِ، حيث كان غَرَض المتقاضين في الغَالب معْرِفَةُ حُكْم الله فِيما لهم وما عَليْهم. وَلم يكن هناكَ كِتابةٌ للحُكْم لأَن الخُصُوم بمجرَّد ما يَسمعُونه يَمتثِلونه بدُون ترَدُّدٍ عَملا بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن
الصفحة 1 / 261