القسم الثَّالثُ: المجتهد في نوع من
العِلم، فَمن عَرَفَ القيَاس وَشروطه فَله أَن يُفْتيَ في مسائل منه قيَاسيَّةً لا
تتعَلق بالحديث، وَمن عَرَفَ الفَرَائِض فَله أَن يُفْتيَ فيها وَإِن جَهل أَحاديث
النكَاحِ وَغَيْرَه، وَعليه الأَصْحَاب. وَقيل: يجُوز ذلك في الفَرَائِض دُون
غيرها، وَقيل بالمنعِ فِيهما، وهو بعِيدٌ.
القسم الرَّابعُ: المجتهد في مسائل
أَو مسأَلة، وَليس له الفَتوَى في غيرها. وَأَما فيها فَالأَظْهرُ جَوَازُه.
وَيَحْتمل المنعَ لأَنه مظَنةُ القصُورِ وَالتقصيرِ. قاله فِي«آدَاب المفْتي
وَالمستفْتي». قلت: المذهب الأَوَّل. قال ابن مفْلحٍ في أُصُوله: يَتجَزَّأُ
الاجتهاد عند أَصْحَابنا وَغَيْرِهم. انتهى.
تجَزُّؤُ الاجتهاد:
وَتجَزُّؤُ الاجتهاد الذي أَشَارَ إِليْه هو أَن يكون العَالم قد تحَصَّل له في بعض المسائل ما هو مناطُ الاجتهاد من الأَدلة دُون غيرها، فَإِذَا حَصَل له ذلك فَهل له أَن يَجْتهدَ فيها أَو لا بد أَن يكون مجتهدا مطْلقا عِندَه ما يَحْتاجُ إِليه في جَميعِ المسائل، فَذَهب جماعةٌ إِلى أَنه يَتجَزَّأُ وَعَزَاه الصَّفِيُّ الهندِيُّ إِلى الأَكْثَرِين، وَحَكَاه صاحب النكَت عن أَبي عَلي الجُبائِيِّ وَأَبي عَبدِ الله البصْرِي. قال ابن دَقيق العِيدِ: وهو المخْتارُ؛ لأَنه قد تمكَّن العِنايَةَ بباب من الأَبوَاب الفقهية حَتى تحَصَّل المعْرِفَةَ بمآخِذِ أَحْكَامه، وَإِذَا حَصَلت المعْرِفَةُ بالمآخِذِ أَمكَن الاجتهاد، قال الغَزَاليُّ وَالرَّافِعِيُّ: يجُوز أَن يكون العَالم منتصِبًا للاجتهاد في باب دُون باب. وَذَهب آخَرُون إِلى المنعِ؛ لأَن المسأَلة في نوع من الفِقه رُبما كان أَصْلها من نوع آخَرَ منه.