×
بُحُوثٌ فِقْهيَّةٌ في قضايا عصرية

وَلا يَلتمس رِضَى الناس بسخَطِ الله؛ قال الله تعالى: ﴿يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ [ص: 26]، وَقال تعالى لنبيِّه محَمدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ [المائدة: 49].

هكذا يستمدُّ القاضي حُكْمه من كِتاب الله على الكَبيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالملكِ وَالصُّعْلوكِ، وَالغَنيِّ وَالفَقيرِ؛ وَلا يَتدَخَّل في حُكْمه ما دَام مطَابقًا لكِتاب الله لا من قبل سلطَةٍ وَلا غيرها. وَفِي كِتاب أَميرِ المؤْمنين عُمرَ بن الخَطَّاب إِلى أَبي موسى الأَشْعَرِيِّ في القضاءِ قال: «آس بيْن الناس في مجْلسكَ وَفِي وَجْهكَ وَقضائِكَ حَتى لا يَطْمعَ شَرِيفٌ في حَيْفِكَ، وَلا يَيْأَس ضعِيفٌ من عَدْلكَ». قال الإِمام ابن القيِّم معَلقًا على هذه الجُملةِ: «إِذَا عَدَل الحَاكِم في هذا بيْن الخَصْميْن فهو عُنوَان عَدْله في الحُكُومةِ، فَمتى خَصَّ أَحَدَ الخَصْميْن بالدُّخُول عليه أَو القيَام له، أَو بصَدْرِ المجْلس وَالإِقبال عَليْه، وَالبشَاشَةِ له وَالنظَرِ إِليه؛ كان عُنوَان حَيْفِه وَظُلمه...». إِلى أَن قال: « وَفِي تخْصِيصِ أَحَدِ الخَصْميْن بمجْلس أَو إِقبال أَو إِكْرَام مفْسدَتان:

إِحْدَاهما: طَمعُه في أَن تكُون الحُكُومةُ له فَيَقوَى قلبه وَجَنانه.

وَالثَّانيَةُ: أَن الآخَرَ يَيْأَس من عَدْله وَيَضعُفُ قلبه وَتنكَسرَ حُجَّته».

فَاستقلال القاضي يَعْني أَن لا يكون عليه سيْطَرَةٌ لأَحَدٍ لا لوَالٍ وَلا خَصْم. وَلا يَستمدُّ أَحْكَامه من أَحَدٍ سوَى الكتاب والسنة وَلا يَعْمل وَفْق توْجِيهات الناس وَميُولهم. - وَلا يَعْني هذا أَن لا يَستشِيرَ أَهل الخِبرَةِ وَالفِقه وَالتجْرِبةِ، فَذلك أَمرٌ مطْلوب، فَيَنبغِي للقاضي أَن يَحْضرَ مجْلسه الفقهاء من كُل مذهب إِن أَمكَن ليُشَاوِرَهم فِيما أُشْكِل عليه -


الشرح