×
شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

الَّذِي ابْتَدَأَ الإِْنْسَانَ بِنِعْمَتِهِ.

****

خلق الله آدم عليه السلام أبَا الإنسانية، فأوجدَه من عدم -من الطِّين- على أحسن صورة؛ قال تعالى:﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ [التِّين: 4]، وأعطاه الحواس: من السمع، والبصر، والعقل الذي ميَّزه به من بين المخلوقات؛ ليميِّز به الضار من النافع، والطيب من الخبيث، والخير من الشر، هذا من خصائص الإنسان؛ لأن الله أكرمه، قال تعالى: ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ [التِّين: 4]، وقال:﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ ٦ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ ٧فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ٨ [الانفطار: 6- 8].

فعلى هذا الإنسان أن يحمد الله على هذه النعمة العظيمة، ويقوم بشكرها لله عز وجل، ويقوم بما أوجب الله عليه من العبادة لربه عز وجل؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ ٥٧ [الذَّارِيَات: 56، 57].

وهل الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى العبادة؟!

ليس بحاجة إليها، لكن العبد هو الذي بحاجة إلى العبادة؛ من أجل أن تَصِلَه بالله، وأما الله جل وعلا فهو غني عن العباد، فلو كفروا كلهم ما نقصوا من مُلكه شيئًا، ولو أطاعوه كلهم ما زاد ذلك في ملكه سبحانه وتعالى شيئًا، وإنما ضرر هذا أو نفعه راجع إليهم هم، فأمرهم بعبادته؛ ليكرمهم بذلك، وليتصلوا به سبحانه وتعالى، ولو كفروا كلهم ما ضره ذلك، ﴿إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إِبْرَاهِيم: 8]، ولو صلحوا كلهم ما زاد ذلك في ملكه شيئًا، كما في الحديث القدسي أن الله جل وعلا يقول:


الشرح