وأما المنافق والمرتاب الذي عاش في الدنيا على النفاق
وعلى الرَّيب والشك «فَيَقُولاَنِ لَهُ:
مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ هَاهْ، لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا
دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ
الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لاَ أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ
مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ
النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ
حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، قَالَ: وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ
فِيهِ أَضْلاَعُهُ» ([1]).
ويؤمن أهل السُّنَّة والجماعة بهذا، وقد تواترت الأحاديث في عذاب القبر، ولم ينكره إلا المعتزلة والعقلانيون الذين يعتمدون على عقولهم، فهؤلاء ينكرون عذاب القبر -والعياذ بالله-، ولا يعبؤون بالنصوص؛ فلا يؤمنون بعذاب القبر ولا بنعيم القبر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، قال للحاضرين: «اسْتَغْفِرُوا لأَِخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الآْنَ يُسْأَلُ» ([2])، فيقفون على قبره، ويستغفرون له، ويسألون له التثبيت، قال الله جل وعلا: ﴿يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ﴾ [إبراهيم: 27]، ولهذا قال الله لنبيه في شأن المنافقين: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾ [التوبة: 84]، فنهاه أن يقف على قبر المنافق، يعني: لا يقف يدعو له بالتثبيت وسؤال المغفرة، وهذا يدل على أن المؤمن يُوقَف على قبره، ويُدعَى له.
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4753).
الصفحة 2 / 116