ويُمِيْتُونَ البِدَعَ،
ويُجَدِّدُونَ هذا الدِّينَ حتَّى يعودَ كما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه
وسلم، ففي كلِّ فترةٍ من الزَّمان يبعث اللهُ لهذه الأُمَّةِ من يجدِّد لها
دِيْنَها، ينفون عنه تحريفَ الغالين وانْتِحالَ المُبْطِلين وتأْويلَ الجاهلين،
هذا فضلٌ من الله سبحانه وتعالى، كم تعرَّض هذا الدِّينُ لهجماتِ الأَعْداءِ
بالقوَّة، وبالدَّعاياتِ وبالتَّشْكيكِ، ولكنَّ الدِّينَ لا يزال غضًّا كما
أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بكتابه وبسُنَّتِه، لم تتعدَّ يَدٌ
عليه بالتَّغْيير؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّا
نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ها هو
القُرْآنُ كما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لم يُغيَّرْ منه حرفٌ
واحدٌ، وهذا من حفظ الله له، كانت الكُتُبُ السَّابقةُ يستحفظ عليها الأَحْبارُ
والرُّهْبانُ فكانوا يضيعون كتابَهم، ويدخل فيه التَّغْييرُ والتَّبْديلُ والتَّحْريفُ؛
كما حصل للتَّوْرَاةِ والإِنْجِيْلِ، إِلاَّ أَنَّ اللهَ تكفَّل هو سبحانه بحفظ
هذا القُرْآنِ، فلا يَجْرُؤُ أَحدٌ أَنْ يُغيِّرَ منه حرفًا واحدًا، وهذا من نعمةِ
الله على هذه الأُمَّةِ.
قولُه: «فهُمْ الذين وصفَهم الله تعالى
مع قلَّتِهم عند الاختلاف فقال: ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفَ
فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ
بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ﴾ [البقرة: 213] »،﴿وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ﴾ أَيْ: في هذا
الدِّينِ أَوْ في هذا الكتابِ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ
أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ﴾ فهم لم يختلفوا
لأَجْلِ خفاءِ الحقِّ عليهم والبحثِ عن الحقِّ، وإِنَّما اختلفوا بسبب البَغْيِ
بعضَهم على بعضٍ، وبسبب الأَهْواءِ، هذا هو السَّببُ في تفرُّقِهم واختلافِهم:
الأَهْواءُ، وحبُّ الظُّهور، ولم يختلفوا عن جهلٍ أَوْ عن خفاءٍ في الحقِّ، فهذا
فيه إِقامةُ الحُجَّة عليهم، في أَنَّهم جاءَهم الحقُّ