×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

فأَخْبرهم صلى الله عليه وسلم أَنَّه سيحصل اخْتلافٌ كثيرٌ من بعده صلى الله عليه وسلم، ثم أَوْصَاهُمْ عند حصول الاختلاف أَنْ يتمسَّكوا بسُنَّةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فإِنَّها هي النَّجاةُ من الفِتَنِ، والعصمةُ من الافتراقِ والضَّلالِ، ثم أَيْضًا أَخْبَرَ في حديثٍ آخَرَ أَنَّ هذه الأُمَّةَ ستفترق على ثلاثٍ وسبعين فِرْقةً كلُّها في النَّار إِلاَّ واحدةً. قالوا: من هِيَ يا رَسُولَ الله؟ قال: «مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» هذا هو الذي ينجو عند الافتراق من الضَّلال، وينجو من النَّار يومَ القيامة، هو من كان على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرامُ، فهذا هو المنجاةُ من الفِتَن، والافتراقِ، فالإِثْنتان وسبعون فرقةً كلُّها في النَّار إِلاَّ من تمسَّك بما عليه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، ودخولُهم النَّار يختلف، فمنهم من يَكْفُرُ ويدخل النَّارَ مع الكفار مُخَلَّدًا فيها، ومنهم من يَفْسُقُ ويدخل النَّار مع العُصاة ويُعذَّبُ فيها ثم يدخل الجَنَّةَ بعد ذلك، فكونُهم كلُّهم في النَّار لا يدلُّ على كفرهم وإِنَّما يدلُّ على الوعيد الشَّديدِ في مفارقة سُنَّةِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، فمنها ما هو كفرٌ، ومنها ما هو ضلالٌ، ومنها ما هو معصيةٌ، وكلٌّ بحسبِه.

قولُه: «فهذا هو الشِّفاءُ والبيانُ والأَمْرُ الواضحُ» الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ما تركنا دون أَنْ يُبيِّنَ لنا المستقبلَ، بيَّن لنا صلى الله عليه وسلم المستقبلَ الذي أَطْلَعَه اللهُ عليه، من أَجْلِ أَنْ نكونَ على بصيرةٍ، وهذا من نُصْحِه وشفقتِه صلى الله عليه وسلم، في أَنَّنا عند حدوث الأَهْواءِ والافتراقِ فإِنَّنا نلزم الحقَّ ونصبر عليه، ونثبت عليه، فلا نجاةَ إِلاَّ بذلك أَبدًا.


الشرح