قولُه: «وكان قتلُه أَوَّلَ الفُرْقة»
أَوَّلُ الفُرْقة حصل بسبب قتلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، لمَّا قُتِلَ اختلَّ
الأَمْنُ، وتفرَّقت الجماعةُ، وظهرت الفِرَقُ الضَّالةُ وحصل ما حصل بما سجَّله
التَّاريخ، ولكن مع هذا كلِّه - والحمدُ لله - الدِّين محفوظٌ، من أَراد الحقَّ،
وأَراد الخيرَ فما عليه إِلاَّ أَنَّه يرجع إِلى الكتابِ والسُّنَّةِ وما عليه
جماعةُ المسلمين، وسيجد الحقَّ واضحًا، وإِنْ كثر الخلافُ والفِتَنُ والشُّرورُ،
وسبب مقتلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه الخليفةِ الرَّاشدِ العادلِ ذي النُّورين:
أَنَّ يهوديًّا من يهود اليمن - يقال له: عَبْدُ اللهِ بنُ سَبَإٍ ويلقَّب ابنَ
السَّوداءِ؛ لأَنَّ أُمَّهُ حبشيَّةٌ، أَظْهَرَ الإِسْلامَ خِداعًا، ثم جاءَ إِلى
المدينةِ وجعل ينفث في النَّاس مسبَّةَ عُثْمَانَ وتنقَّص عُثْمَانَ، يريد بذلك
نَقْضَ عهدِ المسلمين، وتَشْتِيْتِ المسلمين، ودُعاةُ الضَّلال يجدون من يتبعهم
ويميل ويصغي إِلى كلامهم، هذا في كلِّ وقتٍ وفي كلِّ حينٍ، دُعاةُ الضَّلال تجد
كثيرًا من الطُّغام والسُّفهاءِ يضعون إِليهم ويتتبِّعون أَخْبارَهم، كما قال
تعالى: ﴿وَلِتَصۡغَىٰٓ
إِلَيۡهِ أَفِۡٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ وَلِيَرۡضَوۡهُ
وَلِيَقۡتَرِفُواْ مَا هُم مُّقۡتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: 113]
اجتمع على ابنِ سَبَإٍ من الجُهَّالِ ومن الطُّغام من اجتمع، فصاروا يَسُبُّونَ
عُثْمَانَ رضي الله عنه، ثم إِنَّه انْتُبِهَ له فهرب من المَدِيْنَةِ إِلى
مِصْرَ، ووجد جماعةً هناك، وذهب إِلى غير مِصْرَ ووجد جماعةً فتَأَلَّبَ حولَه
طوائِفٌ من الأَشْرار، ثم جاؤُوا وحاصروا عُثْمَانَ رضي الله عنه في بيتِه،
بحُجَّةِ أَنَّهم يريدون المناظرةَ مع عُثْمَانَ رضي الله عنه، ومراجعةَ عُثْمَانَ
في أُمورٍ، هذا ما أَظْهروه؛ أَنَّهم يريدون المفاهمةَ منه، والمحاورةَ معه،
فالصَّحابةُ رضي الله عنهم ما قاتلوهم؛