×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

 أَمَّا أَهْلُ السُّنَّة والجماعةِ - والحمدُ لله - قد هداهم اللهُ إِلى الحقِّ، كما قال تعالى: ﴿فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ [البقرة: 213]، فيقولون: الإِيْمانُ قولٌ باللِّسان واعْتقادٌ بالقلب وعملٌ بالجوارحِ يزيد بالطَّاعة وينقص بالمعصية، لكنَّه لا يزاول بزوالِ العمل مطلقًا؛ كما تقوله الخوارجُ، ولا يبقى مع زوال العمل كلِّه؛ كما تقوله المُرْجِئَةُ، بل من العمل ما تركه كفرٌ، كترك الصَّلاة، ومن العمل ما تركه كبيرةٌ من كبائِر الذُّنوب لا يقتضي الكفرَ؛ فهذا هو التَّفْصيلُ الذي عليه أَهْلُ السُّنَّةِ والجماعةِ والحمدُ لله، وهو يجمع بين آيات الوعدِ التي تمسَّك بها المُرْجِئَةُ، وآياتِ الوعيدِ التي تمسَّك بها الخوارجُ، فأَهْلُ السُّنَّة والجماعةِ يجمعون بين آياتِ الوَعْدِ وآياتِ الوَعِيْدِ، ويُفسِّرون بعضَها ببعضٍ، ويُقيِّدون بعضَها ببعضٍ، فيَرُدُّون المتشابهَ إِلى المُحْكمِ، ويعملون بالجميعِ، ويقولون: ﴿ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ [آل عمران: 7].

هذه هي الفِرقُ التي تشعَّبت منها فرقٌ كثيرةٌ، ومن أَراد أَنْ يطَّلعَ على ذلك فليُراجعْ كُتُبَ الفِرَق مثل: «المِلل والنّحل» للشَّهرستانيِّ، «الفَرْقُ بين الفِرَق» للبَغْداديِّ، «مقالاتُ الإِسْلاميِّين واختلافُ المصلِّيين» لأَبي الحَسَنِ الأَشْعريِّ، «الفصلُ في المِلَل والأَهْواءِ والنّحل» لابنِ حَزْمٍ، فإِنَّهم ذكروا هذه الفِرَقَ وتشعيباتِها وتفرُّقاتِها، وما أُحِبُّ أَنَّ طالبَ العلمِ المبتدئَ يدخل في هذه الاختلافات؛ لئَلاَّ يَتَشَوَّشُ فِكْرُه، لكنَّ العالِمَ المتمكِّنَ لا بأْسَ أَنْ يطَّلِعَ عليها.


الشرح