والتَّوْفِيق هذا مَذهب
أهلِ السنَّة والجَماعة مع وُلاَة الأمورِ، فمن خالفَ في شيءٍ من ذلك فعندَه
نَزعةٌ من نزعةِ أهلِ الضلاَل، من نَزعة الخَوارِج.
«والجِهاد مع كُل خليفةٍ» إذا أمرَ بالجِهاد
فإنه يَجِب الجِهاد معه.
فهذا هو الوَاجِب: السَّمْع والطَّاعة، والصَّلاة خلفَهم، والجِهاد معهم،
وعَدم الخُروج عليهم بالقِتال كما تَفعلُ الخَوارِج، فهذا مَذهب أهلِ السنَّة
والجَماعة في وُلاَة الأمورِ، عَكس ما تَقوله الخَوارِج والمُعتزلة.
قولُه: «ومن قالَ: المَقادير كُلها من
اللهِ عز وجل، خَيرها وشَرّها، يُضِلّ من يَشاء، ويَهدِي من يَشاء فقد خرجَ من
قَول القَدَرِيَّة أوَّله وآخِره» كُل شيءٍ يَحدث فهو من قَدَر اللهِ: الكُفر
والإِيمان، والمَعصية والطَّاعة، والفَقْر والغِنَى، والمَرَض والصِّحَّة، وغَير
ذلكَ، كُل ما يَجري في الكَوْن فإنه بقَضَاء اللهِ وقَدَرِه، لا يَخرُج شيءٌ عن
قَضاء اللهِ وقَدَرِه، هذا مَذهبُ أهلِ السنَّة والجَماعة خِلافًا للقَدَرِيَّة بقِسْمَيها:
النُّفَاة، والمُجَبِّرَة.
«يُضِلّ من يَشاء» ولا يُضِلّ إلا مَن
ارتكبَ سببَ الضلالةِ، فاللهُ يُضِلّه، قالَ تَعالى: ﴿فَلَمَّا
زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾ [الصف: 5]، ولم
يأتِ في القُرآن إهلاكٌ أو إضلالٌ أو عذابٌ إلا ويُذكَر سَببه من قِبل العَبد، وأن
اللهَ قَدَّرَه عليه بسَببٍ من العَبْد؛ ولذلك نقُول: يُضِل من يَشاء بعَدله،
يُقيم العَدل على أهلِ الضلاَل، ولا يَجعلهم مِثل أَهل الهُدى، قالَ تَعالى: ﴿أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ
كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ٣٥مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ٣٦﴾ [القلم: 35- 36]،
ويَهدي من يَشاء بفَضله سبحانه وتعالى.