وَيُرَادُ بالجِهةِ
التنفِيذيَّةِ: جِهةُ السلطَةِ التي تتوَلى تنفِيذَ الأَحْكَام الصَّادِرِةِ من الجِهةِ
القضائِيَّةِ، وَتلزِم بها الخُصُوم عِندَما يَحْصُل منهم أَو من بعضه ممانعَةٌ في
التزَامها - وَكَانت السلطَتان: القضائِيَّةُ وَالتنفِيذِيَّةُ في عَهدِ الرسول
الكَرِيم صلى الله عليه وسلم متحِدَتيْن في المصْدَرِ بحيث كان الرسول صلى الله
عليه وسلم هو القاضي بيْن الخُصُوم وهو الذي يَتولَّى التنفِيذَ وَالإِلزَام-
وَأَحْيَانا يُوكِل من يُنفِّذُ بعض الأَحْكَام.
هذا بالنسبة لمجْتمعِ المدِينةِ وما حَوْلها - وَلما انتشَرَ الدِّين وَامتدَّ في الجَزِيرةِ العَرَبيَّةِ صَارَ الرسول صلى الله عليه وسلم يُرْسل الوُلاةَ إِلى الجِهات التي دَخَل أَهلها في الإِسلام، كَما أَرْسل عَليًّا وَمعَاذًا إِلى اليَمن، وَاستعْمل عَتَّابا ([1]) على مكَّةَ المشَرَّفَةَ، وكان هؤلاء الوُلاةُ الذين يُرْسلهم لهم سلطَةُ القضاءِ وَسلطَةُ التنفِيذِ نيَابةً عنه صلى الله عليه وسلم فَسلطَةُ القضاءِ في عَهدِه صلى الله عليه وسلم لم تفْصَل عن سلطَةِ التنفِيذِ، وَكذلك كان الحَال في عَهدِ أَبي بكْرٍ الصِّدِّيق الخَليفَةِ الأَول بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فَكَانت له صلى الله عليه وسلم سلطَةُ القضاءِ وَسلطَةُ التنفِيذِ وَوُلاته كَذَلكَ، وَلما جَاءَ عَهدُ الخَليفَةِ الثَّاني: عُمرَ بن الخَطَّاب رضي الله عنه بقيَ الأَمرُ في أَوَّل خِلافَته على ما كان عليه في زَمن الصِّدِّيق، إِلى أَن اتسعَت الدَّوْلةُ الإِسلاميَّة وَامتدَّت الفُتوحُ في الأَرض، فَكَثُرَت مصَالحُ الدَّوْلةِ وَتشَعَّبت الأَعْمال وَكَثُرَت المشَاغِل التي تحُول بيْن الوَالي وَوِلايَةِ القضاءِ، فَبدَأَ حِينئِذٍ فَصَل الأَعْمال بعضها عن بعض وَتخْصِيصِ كُل عَمل بجِهةٍ، وَمن ذلك سلطَةُ الوِلايَةِ - السلطَةُ التنفِيذِيَّةُ - وَسلطَةُ القضاءِ، فَصَلت إِحْدَاهما عن الأُخْرَى، فكان الخَليفَةُ يُعَيِّن الأُمرَاءَ وَيُعَيِّن إِلى جَانبهم القضاةَ - كَما عَيَّن أَبا موسى الأَشْعَرِيَّ أَميرًا على البصْرَةِ،
([1])ابن أسيد.