«هذا دَليل
قاطِعٌ على أَن الصَّيْدَ وَطعام الذين أُوتوا الكِتاب من الطَّيِّبات التي
أَباحَها الله وهو الحَلال المطْلق، وَلقدْ سئِلت عن النصْرَانيِّ يَفْتل عُنق
الدَّجَاجَةِ ثُم يَطْبخُها هل تؤْكَل معه أَو تؤْخَذُ منه طعاما فَقلت: تؤْكَل
لأَنها طعامه وَطعام أَحْبارِه وَرُهبانه، وَإِن لم تكُن هذه ذَكَاةً عِندَنا ولكن
الله أَباحَ لنا طعامهم مطْلقا، وَكُل ما يَرَوْنه في دِينهم فَإِنه حَلال لنا
إلاَّ ما كَذَّبهم الله فِيه». انتهى كَلامه.
وَقدِ استندَ إِلى
هذه الفَتوَى الشَّيْخُ محَمد عَبده حيث قال: «وَأَما الذبائح فَالذي أَرَاه أَن
يَأْخُذَ المسلمون في تلك الأَطْرَافِ بنصِّ كِتاب الله تعالى في قوله: ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ
أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ﴾ [المائدة: 5] وَأَن يُعَوِّلوا على ما قاله الإِمام الجَليل
أَبو بكْرِ بن العَرَبيِّ المالكِيُّ من أَن المدَارَ على أَن يكون ما يُذْبحُ
مأْكُول أَهل الكِتاب قِسِّيسيهم وَعَامَّتهم وَيُعَدُّ طعاما لهم كَافَّةً».
انتهى.
وقد أَحْدَثَت هذه
الفَتوَى من الشَّيْخِ محمد عبده ضجَّةً كُبرَى بيْن العلماء في وَقته ما بيْن
مستنكِرٍ لها وَمؤَيِّدٍ لها، وَممن أَيَّدَها وَتحَمس لها تلميذُه محمد رشيد رضا
في مجَلةِ المنارِ وَ«تفْسيرِ المنارِ» ([1])، وَيُرَدُّ على
هذه الفَتوَى من وُجُوه:
الوَجْه الأَوَّل: أَن ابن العَرَبيِّ قد نقض فَتوَاه هذه حيث قال في موْضعٍ آخَرَ من تفْسيرِه: فَإِن قيل: فَما أَكَلوُه على غير وَجْه الذَّكاة كَالخَنق وَحَطْم الرَّأْس؟ فَالجَوَاب: أَن هذا ميْتةٌ وهي حَرَام بالنصِّ وَإِن أَكَلوها فَلا نأْكُلها نحْن؛ كَالخِنزِيرِ فَإِنه حَلال لهم - كَذَا قال - وَمن طعامهم وهو حَرَام عَليْنا». انتهى.
([1])انظر: مجلة المنار (6/ 771، 812، 927)؛ وتفسير المنار (6/ 200 - 217).