×
بُحُوثٌ فِقْهيَّةٌ في قضايا عصرية

 اللحُوم مشْكُوكٌ فيه فَتبقى على التحْرِيم؛ لأَنه اشْتهرُ من عَادَتهم أَو عَادَةِ أَكْثَرِهم الذَّبحُ بالخَنق أَو بضرْب الرَّأْس أَو بالصَّعْق الكَهرَبائِيِّ، وَمن أَدلة هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفَق على صِحَّته: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ فلاَ تَأْكُلْ» ([1]).

يدل على أَنه إِذَا وَجَدَ مع كَلبه المعَلَّم كَلبًا آخَرَ لا يَأْكُله تغْليبًا لجَانب الحَظْرِ، فَقدِ اجْتمعَ في هذا الصَّيْدِ مبيحٌ وهو إِرْسال الكَلب المعَلم مع التسميَةِ، وغير مبيحٍ وهو اشْترَاكُ الكَلب الآخَرِ الذي لم يُرْسله، لذَا منعَ الرسول صلى الله عليه وسلم من أَكْله وَكذلك اللحْم المستوْرَدُ من الخَارِجِ ترَدَّدَ بيْن شَيْئَيْن مبيحٌ وَحَاظِرٌ فَيُغَلب جَانب الحَظْرِ؛ لأَنه لا يُعْلم كَيْفَ ذُبحَ، مع كَثْرَةِ ذَبحِه بالطُّرُق غير الشَّرعيَّة حَسب النشَرَات وَالأَخْبارِ التي تنشَرُ في الجَرَائِدِ وَالمجَلات، وَهذا القوْل هو الذي يَترَجَّحُ عِندِي لقوَّةِ مستندِه وَليس من مخَالفِيه من مستندٍ سوَى التمسكِ بعُموم قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ [المائدة: 5].

وَهذا العُموم يُخَصَّصُ بالنصُوصِ التي تدل على أَنه إِذَا تنازَعَ حَاظِرٌ وَمبيحٌ غُلب جَانب الحَظْرِ، وَقوْلهم الأَصْل في ذبائح أَهل الكِتاب الحِل يُعَارض بأَصْل أَقوَى منه وهو أَن الأَصْل في الذبائح التحريم إلاَّ ما ذُبحَ على الطَّرِيقةِ الشَّرعيَّة، وَلهذا يقول الفُقهاءُ: لوِ اشْتبهت ميْتةٌ بمذَكَّاةٍ لم يَأْكُل من الاثْنيْن، وَأَيضًا يُستبعَدُ أَن تأْتيَ الذَّكاة الشَّرعيَّة على جَميعِ هذه الكَميَّات الهائِلةِ التي تذْبحُ وَتغَلفُ آليًّا، لا سيَّما وَأَنه يُوجَدُ من بيْنها أَحْيَانًا بعض الدَّجَاجِ برُؤُوسه لم يُقطَعْ شَيْءٌ من رِقابها.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (173)، ومسلم رقم (1929).