أَو يَنحَرُونها للميْسرِ وَيَستقسمونها
بالأَزْلام أَو من الميْتةِ التي كَانوا يُجَادِلون المسلمين في تحْرِيمها -
يَزْعُمون أَن الله ذَبحَها - فَكَيْفَ يَأْكُل المسلمون مما ذَبحُوا بأَيْدِيهم
وَلا يَأْكُلون مما ذُبحَ لله، وهو تصَوُّرٌ من تصَوُّرَات الجَاهليَّةِ التي لا
حَدَّ لسخْفِها وَتهافُتها في جَميعِ الجَاهليَّات. وَهذا ما كَانت الشَّيَاطِين
من الإِنس وَالجِن توَسوِس به إِلى أَوْليَائِها ليُجَادِلوا المسلمين فيه من
أَمرِ هذه الذبائح مما تشِيرُ إِليه الآيَات: ﴿وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ
وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ
وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام: 121]
فَالمشْرِكُون «يُضلون
بأَهوَائِهم» فَيَقولون: ما ذَبحَ الله بسكِّينه ([1]) خَيْرٌ مما ذَبحْتم
بسكَاكِينكُم ([2]). وَفِي ضمن ذلك
أَنهم يُحِلون ما حَرَّم الله وَيُحَرِّمون ما أَحَل الله، وَهذا قلب للحَقائِق،
فَهم يَقولون هذا بغَيرِ عِلم يَعْلمونه في أَمرِ الذَّبحِ.
إِذْ من الحِكْمةِ
فيه كَما سبق:
إِخْرَاجُ ما حَرَّم الله عَليْنا من الدَّم بخِلافِ الميْتةِ؛ وَلذلك شَرَعَ الله الذَّكاة في محَل مخْصُوصٍ ليكون الذَّبحُ فيه سببًا لجَذْب كُل دَم في الحَيَوَان بخِلافِ غيره من الأَعْضاءِ. وَاستمرَارًا مع تشْرِيعِهم في إِباحَةِ الميْتةِ كَانوا يَستبيحُون ميْتةَ الأَجِنةِ في بطُون الأَنعَام وَيُشْرِكُون في أَكْلها النساءَ وَالرِّجَال كَما حَكَاه الله عَنهم بقوله: ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ﴾ [الأنعام: 139] فَتحريم الميْتةِ هو حُكْم الله المبنيُّ على العِلم
([1])يعنون الميتة.
الصفحة 5 / 261