القوْل الثَّاني: الإِباحَةُ وهو
قوْل جماعةٍ من السلفِ وَروَاية عن أَحمد؛ لأَن هذا من طعامهم وقد أَباحَ الله لنا
طعامهم من غير تخْصِيصٍ، وقد عَلم سبحانه أَنهم يُسمون غير اسمه.
القوْل الثَّالثُ: وهو قوْل المالكِيَّةِ:
أَن ذَبحَ أَهل الكِتاب إِذَا قصَدُوا به التقرُّب لآلهتهم بأَن ذَبحُوه لآلهتهم
قرْبانًا وَترَكُوه لا يَنتفِعُون به فَإِنه لا يَحِل لنا أَكْله؛ إِذْ ليس من
طعامهم لأَنهم لا يَنتفِعُون به. وَأَما ما ذَبحُوه لأَنفُسهم بقصْدِ أَكْلهم منه
وَلوْ في أَعْيَادِهم لكِن سموا عليه اسم آلهتهم مثَلاً تبرُّكًا فَهذا يُؤْكَل بكُرْه؛
لأَنه تناوَله عُموم: ﴿وَطَعَامُ
ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ﴾ [المائدة: 5]
الترْجِيحُ: وَالذي يَترَجَّحُ هو القوْل الأَول وهو التحريم مطْلقا لعُموم قوله
تعالى: ﴿إِنَّمَا
حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ
لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۖ﴾ [النحل: 115]، وَهذا مما أَهل به لغَيْرِ الله.
وَإِباحَةُ ذبائح
أَهل الكِتاب وَإِن كَانت مطْلقةً لكِنها مقيَّدَةٌ بما لم يُهلوا به لغَيْرِ الله
فَلا يجُوز تعْطِيل القيْدِ وَإِلغَاؤُه. بل يُحْمل المطْلق على المقيَّدِ. وَإِن
ادَّعَى المخَالفُون العَكْس فقالوا آيَةَ: ﴿وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ﴾ [البقرة: 173] هي
المطْلقةُ، وَآيَةُ: ﴿وَطَعَامُ
ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ﴾ [المائدة: 5]
مقيَّدَةٌ فَيُحْمل المطْلق على المقيَّدِ، فَتقيِّدُ ذبيحة الكِتابيِّ عُموم ما
أَهل به لغَيْرِ الله. قلنا: بل الصَّوَاب العَكْس، فَقوله تعالى: ۡ ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ
أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُم﴾ [المائدة: 5] مطْلق فِيما أَهل به لغَيْرِ الله. وما
أُهِلَّ به لله قُيِّدَ منه ما أُهِلَّ به لغَيْرِ الله وَبقي ما عَدَاه.