وَالنصُوصُ الوَارِدَةُ عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليس فيها ما هو صَرِيحٌ في المنعِ، وَغَايَتها أَن تكُون عَامةً أَو
مطْلقةً، وَلا يُنكَرُ تخْصِيصُ العَام وَتقيِيدُ المطْلق بالقيَاس الجَليِّ. إِلى
أَن قال: يُوَضحُّه أَن الحِليَةَ المباحَةَ صَارَت بالصَّنعَةِ المباحَةِ من جِنس
الثِّيَاب وَالسلعِ، لا من جِنس الأَثْمان؛ وَلهذا لم تجِب فيها الزَّكَاةُ، فَلا
يَجْرِي الرِّبا بيْنها وَبيْن الأَثْمان، كَما لا يَجْرِي بيْن الأَثْمان وَبيْن
سائِرِ السلعِ، وَإِن كان من غير جِنسها. فَإِن هذه بالصِّناعَةِ قد خَرَجَت عن
مقصُودِ الأَثْمان وَأُعِدَّت للتجَارَةِ، فَلا محْذُورَ في بيْعِها بجِنسها. وَلا
يَدْخُلها «إِما أَن تقضي وَإِما أَن تُرْبيَ» إلاَّ كَما يَدْخُل في سائِرِ
السلعِ إِذَا بيْعَت بالثَّمن المؤَجَّل.
وَمضى العَلامةُ ابن
القيِّم يُبرِّرُ هذا الرَّأْيَ حَتى استغْرَق قرَابةَ ست صَفْحَات. هذا حَاصِل
ُرأْيِ الشَّيْخِ - تقيِّ الدِّين - وَتلميذِه - ابن القيِّم - في بيْعِ الحُليِّ
من الذَّهب أَو الفضة بجِنسه مع زيَادة - وَالمذهب أَن ذلك لا يجُوز - قال في
الإِقناعِ وَشَرْحِه: فَلا يجُوز بيْعُ مصْنوع من الموْزُونات لم تخْرِجْه
الصِّناعَةُ عن الوَزْن بجِنسه إلاَّ بمثْله وَزْنا، سوَاءٌ ماثَله في الصِّناعَةِ
أَو لا لعُموم الحديث. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ بيْعَ مصْنوعٍ مباحٍ الاستعْمال
كَخَاتم وَنحْوِه، بيعَ بجِنسه بقيمته حَالاَّ جَعْلاً للزَّائِدِ عن وَزْن
الخَاتم في مقابلةِ الصَّنعَةِ فهو كَالأُجْرَةِ، وَكَذَا جَوَّزَه أَيْ: بيعَ
خَاتم بجِنسه بقيمته نَساءً ما لم يَقصِدْ كَوْنها ثَمنا، فَإِن قصَدَ ذلك لم
يَجُزِ النَّسأُ. أ. هـ.
أَقول: وَالرَّاجِحُ
المنعُ في ذلك كَما عليه المذهب لعُموم الأَدلة المانعَةِ من بيْعِ الذَّهب
بالذَّهب متفَاضلا - وَالله أَعْلم.
الصفحة 6 / 261