وَالتعَامل ببيْعِ
العِيْنةِ، إِنما يَقعُ من رَجُل مضطَرٍّ إِلى نفَقةٍ يَضن عليه الموسرُ بالقرْض
إلاَّ أَن يَرْبحَ في المائَةِ ما أَحَب، فَيَبيعَه المائَةَ بضعْفِها بوَاسطَةِ
سلعَةٍ يَتبايَعَانها، وكان الرَّجُل في الجَاهليَّةِ يكون له على الرَّجُل دَيْن،
فَيَأْتيَه عند حُلول الأَجَل فَيقول له: إِما أَن تقضيَ وَإِما أَن ترْبيَ، فَإِن
قضاه وَإِلا زَادَ المدِين في المال وَزَادَ الغَرِيم في الأَجَل، فَيكون قد باعَ
المال بأَكْثَرَ منه إِلى أَجَل، فَأَمرَهم الله إِذَا تابوا أَن لا يُطَالبوا
إلاَّ برَأْس المال. وَأَهل الحِيَل يَقصِدُون ما يَقصِدُه أَهل الجَاهليَّةِ
لكِنهم يُخَادِعُون الله. وَلهم طُرُق منها بيْعُ العِيْنةِ.
قال شَيخ الإِسلام
ابن تيميَّة: وَمسأَلة العِيْنةِ غير جَائِزِةٍ عند أَكْثَر العلماء كَأَبي
حَنيفَةَ، وَمالكٍ، وأَحمد، وَغَيْرِهم، وهو المأْثُورُ عن الصَّحابة كَعَائِشَةَ وَابن
عَباس، وَأَنس بن مالكٍ. أهـ.
وَأَجَازَها الشافعيُّ وَأَصْحَابه أَخْذًا من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أَبي سعِيدٍ وَأَبي هرَيرة: «بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» ([1]). وَالجَمعُ: هو التمرُ الرَّدِيءُ، وَقيل: هو التمرُ المجموع من أَنواع مختلفةٍ، وَالجَنيب: هو التمرُ الجَيِّدُ. وَوَجْه الاستدْلال أَنه لم يُخَصَّ بقوله: «ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» ([2]) غير الذي باعَ له الجَمعَ. وَاستدَلوا بالاتفَاق على أَنَّ مَنْ باعَ السلعَةَ التي اشْترَاها ممن اشْترَاها منه بعد مدَّةٍ فَالبيْعُ صحيح. فَلا فَرْق بيْن التعْجِيل في ذلك وَالتأْجِيل. فَيدل على أَن المعْتبرَ في ذلك وُجُودُ شرط في أَصْل العَقدِ وَعَدَمه، فَإِن
([1])أخرجه: البخاري رقم (2089)، ومسلم رقم (1593).