×
بُحُوثٌ فِقْهيَّةٌ في قضايا عصرية

وَقال شَيخ الإِسلام ابن تيمية في معْرِض كَلامه: أَن الترَاضيَ بيْن الطَّرَفَيْن على فِعْل محَرَّم لا يُبيحُه، قال: وَهذا مثْل الرِّبا فَإِنه وَإِن رَضيَ به المرَابي وهو بالغٌ رَشِيدٌ لم يُبحْ ذَلكَ؛ لما فيه من ظُلمه. وَلهذا له أَن يُطَالبه بما قبض منه من الزيَادة وَلا يُعْطِيه إلاَّ رَأْس ماله، وَإِن كان قد بذَله باخْتيَارِه وَقال أَيْضا: وَهذا المرَابي لا يَستحِق في ذِمم الناس إلاَّ ما أَعْطَاهم أَو نظِيرُه. فَأَما الزِّيَادَات فَلا يَستحِق شَيْئًا منها، لكِن ما قبضه قبل ذلك بتأْوِيل يُعْفَى عَنه، وما بقي له في الذِّمم فهو ساقطٌ. لقوله تعالى ﴿وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ [البقرة: 278] - وَالله أَعْلم -.

الحَالةُ الثَّانيَةُ: أَن يكون التائِب من الرِّبا قد قبضه، وَتجَمعَت عِندَه أَموَال منه، وَالفَتوَى في هذا خَطِيرَةٌ جِدًّا - وَأَنا أَنقل هنا قاعِدَةً ذَكَرَها شَيخ الإِسلام - ابن تيمية رحمه الله - حيث قال: «قاعِدَةٌ في المقبوض بعَقدٍ فَاسدٍ، وَذلك أَنه لا يَخْلو إِما أَن يكون العَاقدُ يَعْتقدُ الفَسادَ وَيَعْلمه، أَو لا يَعْتقدُ الفَسادَ - فَالأَوَّل يكون بمنزِلةِ الغَاصِب، حيث قبض ما يَعْلم أَنه لا يَملكُه - لكِنه بشُبهةِ العَقدِ، وَكَوْن القبض عن الترَاضي، هل يَملكُه بالقبض أَو لا يَملكُه؟ أَو يُفَرِّق بيْن أَن يَتصَرَّفَ فيه أَو لا يَتصَرَّفَ؟ هذا فيه خِلافٌ مشْهورٌ في الملكِ. هل يَحْصُل بالقبض في العَقدِ الفَاسدِ؟ وَأَما إِن كان العَاقدُ يَعْتقدُ صِحَّةَ العَقدِ، مثْل أَهل الذِّمةِ فِيما يَتعَاقدُون بيْنهم من العُقودِ المحَرَّمةِ في دِين الإِسلام؛ مثْل بيْعِ الخَمرِ وَالرِّبا وَالخِنزِيرِ، فَإِن هذه العُقودَ إِذَا اتصَل بها القبض قبل الإِسلام وَالتحَاكُم إِليْنا أُمضيَت لهم، وَيَملكُون ما قبضوه بها بلا نزَاعٍ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ [البقرة: 278] فَأَمرَ بترْكِ ما بقيَ، وَإِن أَسلموا أَو تحَاكَموا قبل


الشرح