×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 فَصْلٌ

وَأَعْظَمُ الْخَلْقِ غُرُورًا مَنِ اغْتَرَّ بِالدُّنْيَا وَعَاجَلَهَا، فَآثَرَهَا عَلَى الآْخِرَةِ، وَرَضِيَ بِهَا مِنَ الآْخِرَةِ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُ هَؤُلاَءِ: الدُّنْيَا نَقْدٌ، وَالآْخِرَةُ نَسِيئَةٌ، وَالنَّقْدُ أَحْسَنُ مِنَ النَّسِيئَةِ!

****

الشرح

قالَ اللهُ تبارك وتعالى : { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ } [فاطر: 5] ، رغبَ في الآخرةِ لأنها هي المَقرُّ وهي الدائمَة، ونَهى عن الاغترارِ بزَهرة الدنيَا لأنها زائلةٌ وفَاتنة، ونَهى عن الغُرور وهو الشيطانُ ووَسَاوِسه.

فإذا سَلِمَ العبدُ من هَاتين الفِتْنَتَيْنِ - فتنةِ الدنيَا وفتنةِ الشيطانِ - سَلِمَ في الآخرةِ، فهُمَا أخطرُ فتنةٍ على الإنسانِ، وكم هلكَ بسببِ الاغترارِ بالدنيَا من أُمَمٍ، وكم هلكَ بسببِ الشيطانِ من أُمَمٍ؟! فخطرُهما خطرٌ عظيمٌ.

وبعضُ الناسِ - أو كثيرٌ منهم - يقولُ: الدنيَا حَاضِرة، وأما الآخرةُ فهي وعدٌ آجِلٌ، فلا نتركُ الشيءَ الحاضرَ لشيءٍ آجِلٍ! وهذا لأنهم لا يُؤمنون باللهِ سُبحانه وتعَالى، فلهذا قالَ: { إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ }، فالذينَ آثرُوا الدنيَا على الآخرةِ هؤلاء ليس عِندهم إيمانٌ، وإنما هم - كما يُقَال الآنَ - مَادِّيُّونَ، وأما الذين آثرُوا الآخرةَ على الدنيَا، فهؤلاء هم المُتَّقُون، وهم أربابُ العقولِ، وأهلُ البصيرةِ، ولكنهم قليلٌ بالنسبةِ للنصفِ الأوَّل.


الشرح