فَصْلٌ
وَهَاهُنَا سُؤَالٌ
مَشْهُورٌ وَهُوَ: أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ إِنْ كَانَ قَدْ قُدِّرَ لَمْ يَكُنْ
بُدٌّ مِنْ وُقُوعِهِ، دَعَا بِهِ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَدْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
قَدْ قُدِّرَ لَمْ يَقَعْ، سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ.
فَظَنَّتْ طَائِفَةٌ صِحَّةَ
هَذَا السُّؤَالِ، فَتَرَكَتِ الدُّعَاءَ وَقَالَتْ: لاَ فَائِدَةَ فِيهِ،
وَهَؤُلاَءِ - مَعَ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَضَلاَلِهِمْ - مُتَنَاقِضُونَ، فَإِنَّ
طَرْدَ مَذْهَبِهِمْ يُوجِبُ تَعْطِيلَ جَمِيعِ الأَْسْبَابِ.
فَيُقَالُ لأَِحَدِهِمْ:
إِنْ كَانَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ قَدْ قُدِّرَا لَكَ فَلاَبُدَّ مِنْ
وُقُوعِهِمَا، أَكَلْتَ أَوْ لَمْ تَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرَا لَمْ يَقَعَا
أَكَلْتَ أَوْ لَمْ تَأْكُلْ.
وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قُدِّرَ
لَكَ فَلاَبُدَّ مِنْهُ، وَطِئْتَ الزَّوْجَةَ وِالأَْمَةَ أَوْ لَمْ تَطَأْ،
وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَمْ يَكُنْ، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى التَّزْوِيجِ
وَالتَّسَرِّي، وَهَلُمَّ جَرَّا.
فَهَلْ يَقُولُ هَذَا
عَاقِلٌ أَوْ آدَمِيٌّ؟! بَلِ الْحَيَوَانُ الْبَهِيمُ مَفْطُورٌ عَلَى
مُبَاشَرَةِ الأَْسْبَابِ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ وَحَيَاتُهُ، فَالْحَيَوَانَاتُ
أَعْقَلُ وَأَفْهَمُ مِنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ هُمْ كَالأَْنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ سَبِيلاً.
****
الشرح
هذه شبهةٌ عند أهلِ الضلالِ
والمُغالِطين، يقُولون: الدعَاء ليس له فَائدة، فإذا كانَ قدَّر لك الشيءَ فإنه
يحصُل ولو لم تَدعُ، وإذا لم يقدِّر لك فليس بحاصلٍ ولو دعوتَ ودعوتَ.
وهذه مُغالطة، فلا شَكَّ أن الله عز وجل قدَّر الأشياءَ وقَضاها، وهو سبحانه وتعالى أمرَنا بالدعَاء، فالدعَاء سببٌ من الأسبابِ، والله جل وعلا أمرَنا باتِّخاذ الأسبابِ، ولم يَنْهَنَا عن أخذِ الأَسْبَاب،
الصفحة 1 / 436