فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ الذُّنُوبَ
إِذَا تَكَاثَرَتْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِ صَاحِبِهَا، فَكَانَ مِنَ الْغَافِلِينَ.
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ
قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 14] ، قَالَ: «هُوَ الذَّنْبُ بَعْدَ الذَّنْبِ» ([1]).
وَقَالَ الْحَسَنُ: «هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، حَتَّى
يُعْمِيَ الْقَلْبَ» ([2]).
وَقَالَ غَيْرُهُ: «لَمَّا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ
أَحَاطَتْ بِقُلُوبِهِمْ» ([3]).
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ
الْقَلْبَ يَصْدَأُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا زَادَتْ غَلَبَ الصَّدَأُ حَتَّى
يَصِيرَ رَانًا، ثُمَّ يَغْلِبُ حَتَّى يَصِيرَ طَبْعًا وَقُفْلاً وَخَتْمًا،
فَيَصِيرُ الْقَلْبُ فِي غِشَاوَةٍ وَغِلاَفٍ، فَإِذَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ
الْهُدَى وَالْبَصِيرَةِ انْعَكَسَ فَصَارَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، فَحِينَئِذٍ
يَتَوَلاَّهُ عَدُوُّهُ وَيَسُوقُهُ حَيْثُ أَرَادَ.
****
الشرح
الطَّبْع على القلبِ هذا هو
أشدُّ العُقوبات: { وَطَبَعَ ٱللَّهُ
عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ} [التوبة: 93] ، فصارتْ لا تَقبل الخيرَ أبدًا، ولا يَصل إليها نُور
الإيمانِ ونُور القرآنِ ونُور العِلم؛ لأنها مطبوعٌ عليها بالخَاتم: { خَتَمَ ٱللَّهُ
عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ} [البقرة: 7] فهي مُغلقةٌ.
والذنبُ بعدَ الذنبِ يسبِّب الرَّانَ، وهو الغلافُ الذِي يكونُ على القَلب فيَحجب عنه نُور الإيمانِ.
([1])أخرجه: البيهقي في الشعب رقم (6812).
الصفحة 1 / 436