فَصْلٌ
وَلَمَّا كَانَتِ الذُّنُوبُ
مُتَفَاوِتَةً فِي دَرَجَاتِهَا وَمَفَاسِدِهَا تَفَاوَتَتْ عُقُوبَاتُهَا فِي
الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهَا.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ فِيهَا
بِعَوْنِ اللَّهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ فَصْلاً وَجِيزًا جَامِعًا، فَنَقُولُ:
أَصْلُهَا نَوْعَانِ: تَرْكُ
مَأْمُورٍ، وَفِعْلُ مَحْظُورٍ، وَهُمَا الذَّنْبَانِ اللَّذَانِ ابْتَلَى اللَّهُ
سُبْحَانَهُ بِهِمَا أَبَوَيِ الْجِنِّ وَالإِْنْسِ.
وَكِلاَهُمَا يَنْقَسِمُ
بِاعْتِبَارِ مَحِلِّهِ إِلَى ظَاهِرٍ عَلَى الْجَوَارِحِ، وَبَاطِنٍ فِي
الْقُلُوبِ.
وَبِاعْتِبَارِ
مُتَعَلَّقِهِ إِلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ خَلْقِهِ. وَإِنْ كَانَ كُلُّ حَقٍّ
لِخَلْقِهِ فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِحَقِّهِ، لَكِنْ سُمِّي حَقًّا لِلْخَلْقِ
لأَِنَّهُ يَجِبُ بِمُطَالَبَتِهِمْ وَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ.
ثُمَّ هَذِهِ الذُّنُوبُ
تَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مَلَكِيَّةٍ، وَشَيْطَانِيَّةٍ،
وَسَبُعِيَّةٍ، وَبَهِيمِيَّةٍ، وَلاَ تَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ.
فَالذُّنُوبُ الْمَلَكِيَّةُ
أَنْ يَتَعَاطَى مَا لاَ يَصِحُّ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ،
كَالْعَظَمَةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْجَبَرُوتِ، وَالْقَهْرِ، وَالْعُلُوِّ،
وَاسْتِعْبَادِ الْخَلْقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا: شِرْكٌ بِالرب تَعَالَى، وَهُوَ نَوْعَانِ: شِرْكٌ بِهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَجَعْلُ آلِهَةٍ أُخْرَى مَعَهُ، وَشِرْكٌ بِهِ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَهَذَا الثَّانِي قَدْ لاَ يُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ، وَإِنْ أَحْبَطَ الْعَمَلَ الَّذِي أَشْرَكَ فِيهِ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ.
الصفحة 1 / 436