فَصْلٌ
وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ
الْقَطْعَ بِإِزَاءِ فَسَادِ الأَْمْوَالِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ
مِنْهُ، لأَِنَّهُ يَأْخُذُ الأَْمْوَالَ فِي الاِخْتِفَاءِ، وَيُنَقِّبُ
الدُّورَ، وَيَتَسَوَّرُ مِنْ غَيْرِ الأَْبْوَابِ، فَهُوَ كَالسِّنَّوْرِ
وَالْحَيَّةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ حَيْثُ لاَ تَعْلَمُ، فَلَمْ
تَرْتَفِعْ مَفْسَدَةُ سَرِقَتِهِ إِلَى الْقَتْلِ، وَلاَ تَنْدَفِعُ بِالْجَلْدِ،
فَأَحْسَنُ مَادُفِعَتْ بِهِ مَفْسَدَتُهُ إِبَانَةُ الْعُضْوِ الَّذِي
يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ.
وَجُعِلَ الْجَلْدُ
بِإِزَاءِ إِفْسَادِ الْعُقُولِ وَتَمْزِيقِ الأَْعْرَاضِ بِالْقَذْفِ.
فَدَارَتْ عُقُوبَاتُهُ
سُبْحَانَهُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الأَْنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ، كَمَا
دَارَتِ الْكَفَّارَاتُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ: الْعِتْقِ، وَهُوَ أَعْلاَهَا،
وَالإِْطْعَامِ، وَالصِّيَامِ.
ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ
جَعَلَ الذُّنُوبَ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمًا فِيهِ الْحَدُّ،
فَهَذَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ كَفَّارَةً اكْتِفَاءً بِالْحَدِّ.
وَقِسْمًا لَمْ يُرَتِّبْ
عَلَيْهِ حَدًّا، فَشَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ
رَمَضَانَ، وَالْوَطْءِ فِي الإِْحْرَامِ، وَالظِّهَارِ، وَقَتْلِ الْخَطَأِ،
وَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقِسْمًا لَمْ يُرَتِّبْ
عَلَيْهِ حَدًّا وَلاَ كَفَّارَةً، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ
الْوَازِعُ عَنْهُ طَبِيعِيًّا، كَأَكْلِ الْعَذِرَةِ، وَشُرْبِ الْبَوْلِ
وَالدَّمِ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَدْنَى مِنْ مَفْسَدَةِ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَالنَّظَرِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْمُحَادَثَةِ، وَسَرِقَةِ فَلْسٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الصفحة 1 / 436