فَصْلٌ
وَمِنْهَا - وَهُوَ مِنْ أَخْوَفِهَا
عَلَى الْعَبْدِ - : أَنَّهَا تُضْعِفُ الْقَلْبَ عَنْ إِرَادَتِهِ، فَتُقَوِّي
إِرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ، وَتُضْعِفُ إِرَادَةَ التَّوْبَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا
إِلَى أَنْ تَنْسَلِخَ مِنْ قَلْبِهِ إِرَادَةُ التَّوْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ،
فَلَوْ مَاتَ نِصْفُهُ لَمَا تَابَ إِلَى اللَّهِ، فَيَأْتِي بِالاِسْتِغْفَارِ
وَتَوْبَةِ الْكَذَّابِينَ بِاللِّسَانِ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، وَقَلْبُهُ مَعْقُودٌ
بِالْمَعْصِيَةِ، مُصِرٌّ عَلَيْهَا، عَازِمٌ عَلَى مُوَاقَعَتِهَا مَتَى
أَمْكَنَهُ.
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ
الأَْمْرَاضِ وَأَقْرَبِهَا إِلَى الْهَلاَكِ.
****
الشرح
ومن عُقوبات المَعاصي أنها
تؤثِّر في القَلب؛ فتُضعف فيه إرادةَ الخيرِ وتُقوِّي فيه إرادةَ الشرِّ، وهذا
شيءٌ مَعروف، فإن العُصاة أثقلُ شيءٍ عليهم الطاعَات، وأخفُّ شيءٍ عليهم المَعاصي؛
يَألفونها ولا يَستريحون إلا بها وبمَجالسها، ويَنفِرون من مَجالس الخَير، وتثقلُ
عليهم الطاعَات، هذا شيءٌ واضحٌ فيهم، وهذه عقوبةٌ لهم أن اللهَ سبحانه وتعالى
حرمَهم لَذَّة الطاعةِ، وجعلَ فيهم شهوةَ المعصيةِ، وذلك بسببِ الذنوبِ بلا شَكٍّ.
وكذلكَ يُحرَمون الصِّدق في
التَّوْبَة، فتَضعُف إرادةُ التوبةِ لديهم شيئاً فشيئاً، حتى إن أحدَهم يستغفرُ
اللهَ بلسانِه، ويكثرُ من الاستغفارِ والتوبةِ، وهو مُقِيم على المَعصية ومُصِرٌّ
عليها، وهذا لا تكونُ توبتُه صحيحةً، إنما هي توبةٌ باللسانِ فقط، وهذه لا تنفعُ؛
لأنها توبةُ الكَذَّابِين.
***