فَصْلٌ
وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَرْسَلَ رُسُلَهُ،
وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ لِيُعْرَفَ
وَيُعْبَدَوَيُوَحَّدَ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَالطَّاعَةُ كُلُّهَا
لَهُ، وَالدَّعْوَةُ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ
إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} [الذَّارِيَاتِ:
56] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا
خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ} [الْحِجْرِ: 85] .
وَقَالَ تَعَالَى: {ٱللَّهُ ٱلَّذِي
خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ
بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ
قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} [الطَّلاَقِ: 12] .
وَقَالَ تَعَالَى: {۞جَعَلَ ٱللَّهُ
ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِيَٰمٗا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَٱلۡهَدۡيَ
وَٱلۡقَلَٰٓئِدَۚ ذَٰلِكَ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} [الْمَائِدَةِ:
97] .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ
أَنَّ الْقَصْدَ بِالْخَلْقِ وَالأَْمْرِ: أَنْ يُعْرَفَ بِأَسْمَائِهِ
وَصِفَاتِهِ، وَيُعْبَدَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنْ يَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَْرْضُ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى: { لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا
رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ
لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ} [الْحَدِيدِ: 25] . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ
أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَهُوَ
الْعَدْلُ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الْقِسْطِ: التَّوْحِيدُ، وَهُوَ رَأْسُ الْعَدْلِ وَقِوَامُهُ، وَ{ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13] ، فَالشِّرْكُ أَظْلَمُ الظُّلْمِ، وَالتَّوْحِيدُ أَعْدَلُ الْعَدْلِ، فَمَا كَانَ أَشَدَّ مُنَافَاةً لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ،
الصفحة 1 / 436