فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ
الْمَعَاصِيَ تُفْسِدُ الْعَقْلَ، فَإِنَّ لِلْعَقْلِ نُورًا، وَالْمَعْصِيَةُ
تُطْفِئُ نُورَ الْعَقْلِ وَلاَ بُدَّ، وَإِذَا طُفِئَ نُورُهُ ضَعُفَ وَنَقَصَ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ:
مَا عَصَى اللَّهَ أَحَدٌ حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ
لَوْ حَضَرَ عَقْلُهُ لَحَجَزَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ فِي قَبْضَةِ
الرَّبِّ تَعَالَى، أَوْ تَحْتَ قَهْرِهِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَفِي
دَارِهِ عَلَى بِسَاطِهِ، وَمَلاَئِكَتُهُ شُهُودٌ عَلَيْهِ نَاظِرُونَ إِلَيْهِ،
وَوَاعِظُ الْقُرْآنِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ الْمَوْتِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ
النَّارِ يَنْهَاهُ، وَالَّذِي يَفُوتُهُ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا
وَالآْخِرَةِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ السُّرُورِ وَاللَّذَّةِ بِهَا،
فَهَلْ يُقْدِمُ عَلَى الاِسْتِهَانَةِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَالاِسْتِخْفَافِ بِهِ
ذُو عَقْلٍ سَلِيمٍ؟!
****
الشرح
ومن آثارِ المَعاصي
أيضًا: أنها تُفسد العقلَ الذِي ميَّز اللهُ به الإنسانَ على غَيره، فإذا فسدَ
العقلُ أصبحَ يَرَى الحَقّ باطلاً والبَاطل حقًّا، وتَنعكس عليه الأُمور.
فالعُصاة لَديهم عقولٌ
ولكِنها فَاسدة، فتكُون مِثل عُقول البَهائم، كما قالَ اللهُ سبحانه وتعالى : {أَمۡ
تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ
بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] ، فعِندهم عُقول بَهِيمِيَّة، وليسَ
عِندهم عقولٌ نَيِّرَة وبَصيرة.
الصفحة 1 / 436