فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا:
أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ الْحَاضِرَةَ، وَتَقْطَعُ النِّعَمَ الْوَاصِلَةَ،
فَتُزِيلُ الْحَاصِلَ، وَتَمْنَعُ الْوَاصِلَ، فَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ مَا حُفِظَ
مَوْجُودُهَا بِمِثْلِ طَاعَتِهِ، وَلاَ اسْتُجْلِبَ مَفْقُودُهَا بِمِثْلِ
طَاعَتِهِ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا وَآفَةً، سَبَبًا يَجْلِبُهُ، وَآفَةً
تُبْطِلُهُ، فَجَعَلَ أَسْبَابَ نِعَمِهِ الْجَالِبَةِ لَهَا طَاعَتَهُ،
وَآفَاتِهَا الْمَانِعَةَ مِنْهَا مَعْصِيَتَهُ، فَإِذَا أَرَادَ حِفْظَ
نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ أَلْهَمَهُ رِعَايَتَهَا بِطَاعَتِهِ فِيهَا، وَإِذَا
أَرَادَ زَوَالَهَا عَنْهُ خَذَلَهُ حَتَّى عَصَاهُ بِهَا.
وَمِنَ الْعَجَبِ عِلْمُ الْعَبْدِ
بِذَلِكَ مُشَاهَدَةً فِي نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَسَمَاعًا لِمَا غَابَ عَنْهُ
مِنْ أَخْبَارِ مَنْ أُزِيلَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِمَعَاصِيهِ، وَهُوَ
مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ هَذِهِ
الْجُمْلَةِ، أَوْ مَخْصُوصٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ، وَكَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَارٍ
عَلَى النَّاسِ لاَ عَلَيْهِ، وَوَاصِلٌ إِلَى الْخَلْقِ لاَ إِلَيْهِ!
فَأَيُّ جَهْلٍ أَبْلَغُ
مِنْ هَذَا؟! وَأَيُّ ظُلْمٍ لِلنَّفْسِ فَوْقَ هَذَا؟!
فَالْحُكْمُ لِلَّهِ
الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
****
الشرح
مِن عُقوبات المَعاصي: أنها تُزِيل النعمَ الحَاضرة، وتمنعُ حُصول النعمِ القَادمة، قالَ تَعالى: {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ} [الشورى: 30] ، وقالَ جل وعلا : {ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ} [الروم: 41] .
الصفحة 1 / 436