فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا:
ذَهَابُ الْحَيَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ حَيَاةِ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَصْلُ كُلِّ
خَيْرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الْخَيْرِ أَجْمَعِهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صلى
الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» ([1]).
وَقَالَ: «إِنَّ مِمَّا
أَدْرَكَ النَّاسَ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُْولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ
فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ([2]) وَفِيهِ
تَفْسِيرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى
التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ
مَا شَاءَ مِنَ الْقَبَائِحِ؛ إِذِ الْحَامِلُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ، فَإِذَا
لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَيَاءٌ يَرْدَعُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ، فَإِنَّهُ يُوَاقِعُهَا،
وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ ([3]).
وَالثَّانِي: أَنَّ
الْفِعْلَ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ مِنْهُ مِنَ اللَّهِ فَافْعَلْهُ، وَإِنَّمَا
الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ هُوَ مَا يُسْتَحَى مِنْهُ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا
تَفْسِيرُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ.
فَعَلَى الأَْوَّلِ: يَكُونُ
تَهْدِيدًا، كَقَوْلِهِ: {ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ} [فُصِّلَتْ: 40]
.
وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ
إِذْنًا وَإِبَاحَةً.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مِنْ
سَبِيلٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ؟
قُلْتُ: لاَ، وَلاَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، لِمَا بَيْنَ الإِْبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ مِنَ الْمُنَافَاةِ، وَلَكِنَّ اعْتِبَارَ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ يُوجِبُ اعْتِبَارَ الآْخَرِ.
([1])أخرجه: مسلم رقم (37).
الصفحة 1 / 436