فَصْلٌ
وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ
وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ
وَالأَْئِمَّةِ، عَلَى أَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: { إِن
تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ
وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلٗا كَرِيمٗا } [النِّسَاءِ: 31] . وَقَالَ تَعَالَى: {ٱلَّذِينَ
يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ} [النَّجْمِ: 32] .
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صلى
الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الصَّلَوَاتُ
الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ
مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ».
وَهَذِهِ الأَْعْمَالُ
الْمُكَفِّرَةُ لَهَا ثَلاَثُ دَرَجَاتٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ تَقْصُرَ
عَنْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ؛ لِضَعْفِهَا وَضَعْفِ الإِْخْلاَصِ فِيهَا
وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا، بِمَنْزِلَةِ الدَّوَاءِ الضَّعِيفِ الَّذِي يَنْقُصُ
عَنْ مُقَاوَمَةِ الدَّاءِ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً.
الثَّانِيَةُ: أَنْ
تُقَاوِمَ الصَّغَائِرَ وَلاَ تَرْتَقِيَ إِلَى تَكْفِيرِ شَيْءٍ مِنَ
الْكَبَائِرِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ تَقْوَى
عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ وَتَبْقَى فِيهَا قُوَّةٌ تُكَفَّرُ بِهَا بَعْضُ
الْكَبَائِرِ. فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ يُزِيلُ عَنْكَ إِشْكَالاَتٍ
كَثِيرَةً.
****
الشرح
قال اللهُ جل وعلا : { إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ}، فدلَّ على أَنَّ الذُّنوبَ تنقسم إِلَى كبائِرَ وصغائِرَ، فقولُه: { نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ}، هذا غيرُ الكبائِر، وقال عز وجل : {ٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ}واللَّمَمُ: هو صِغارُ الذُّنوب، وقال اللهُ سبحانه وتعالى : { وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ} [الحجرات: 7] ، فذكر ثلاثةَ أَنْواعٍ: الكُفْرَ والشِّرْكَ وهو أَعْظمُ الذُّنوب، والفُسُوقَ وهو من كبائِرِ الذُّنوب، والعِصْيانَ وهو صغائِرُ الذُّنوب.
الصفحة 1 / 436