فالكُفْرُ والشِّرْكُ
والفسوقُ من كبائِر الذُّنوب، والمشهورُ عند جُمْهُورِ أَهْلِ العلمِ أَنَّ
الذُّنوبَ ليستْ على حدٍّ سواءٍ، بلْ بعضُها أَشدُّ من بعضٍ، وهذا معلومٌ من
الكتابِ والسُّنَّةِ، فأَعْظمُها الشِّرْكُ باللهِ، وبعده بَقِيَّةُ الكبائِر.
والكبيرةُ: هي التي رتَّب
عليها حَدٌّ في الدُّنْيَا؛ كحَدِّ السَّرِقَةِ، وحَدِّ الزِّنَا، وحَدِّ
الخَمْرِ، أَوْ رتَّب عليها وَعِيْدٌ في الآخرة: كالرِّبَا، وأَكْلِ أَمْوالِ
النَّاس بالباطلِ، والغِيْبَةِ، والنَّمِيْمَةِ، أَوْ تُوْعَدَ فاعلُها
باللَّعْنة؛ كصاحبِ الذَّنْبِ الذي لَعَنَ اللهُ تبارك وتعالى فاعلَه، أَوْ لَعَنَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاعلَه، أَوْ تَبَرَّأَ ممَّن فَعَلَه، كقولِه: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ فَعَلَ كَذَا».
فما قُرِنَ به شيءٌ من هذه
الأُمُورِ فهو من الكبائِر، وما نُهِيَ عنه ولم يُقْرَنْ بشيءٍ من هذه الأُمُورِ
وإِنَّما مُجَرَّدُ النَّهْيِ فَقَطْ، فهذا من الصَّغائِر.
والدَّليلُ على ذلك: قولُ
اللهِ جل وعلا : {ٱلَّذِينَ
يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ إِلَّا ٱللَّمَمَۚ}.
والكبائِرُ لا تُكَفَّرُ إِلاَّ بالتَّوبة، أَوْ أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عنها، وأَمَّا الصَّغائِرُ فإِنَّها تُكَفَّرُ بِعِدَّةِ أَشْياءَ، مِنْهَا: تَجنُّبُ الكبائِر، فمَن تَجَنَّبَ الكبائِرَ غَفَرَ اللهُ له الصَّغائِرَ {إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ} [النِّسَاءِ: 31] ، وتُكَفَّرُ أَيْضاً بأَدَاءِ الفرائِض: {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّئَِّاتِۚ} [هود: 114] ، والصَّلواتُ الخمسُ يُكَفِّرُ اللهُ بها الصَّغائِرَ: «الصَّلواتُ الخمسُ، والجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، ورَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَ الكَبَائِرُ» ([1]). هذا هو الفرقُ بين الكبائِرِ والصَّغائِرِ.
([1])أخرجه: مسلم رقم (233).