فَصْلٌ
فَاسْتَحْضِرْ بَعْضَ
الْعُقُوبَاتِ الَّتِي رَتَّبَهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَى الذُّنُوبِ
وَجَوَّزَ وَصُولَ بَعْضِهَا إِلَيْكَ وَاجْعَلْ ذَلِكَ دَاعِيًا لِلنَّفْسِ إِلَى
هِجْرَانِهَا، وَأَنَا أَسُوقُ إِلَيْكَ مِنْهَا طَرَفًا يَكْفِي الْعَاقِلَ مَعَ
التَّصْدِيقِ بِبَعْضِهِ.
فَمِنْهَا: الْخَتْمُ عَلَى
الْقُلُوبِ وَالأَْسْمَاعِ، وَالْغِشَاوَةُ عَلَى الأَْبْصَارِ، وَالإِْقْفَالُ
عَلَى الْقُلُوبِ، وَجَعْلُ الأَْكِنَّةِ عَلَيْهَا وَالرَّيْنُ عَلَيْهَا
وَالطَّبْعُ وَتَقْلِيبُ الأَْفْئِدَةِ وَالأَْبْصَارِ، وَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَ
الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، وَإِغْفَالُ الْقَلْبِ عَنْ ذِكْرِ الرَّبِّ، وَإِنْسَاءُ
الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ، وَتَرْكُ إِرَادَةِ اللَّهِ تَطْهِيرَ الْقَلْبِ، وَجَعْلُ
الصَّدْرِ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ، وَصَرْفُ
الْقُلُوبِ عَنِ الْحَقِّ، وَزِيَادَتُهَا مَرَضًا عَلَى مَرَضِهَا،
وَإِرْكَاسُهَا وَإِنْكَاسُهَا بِحَيْثُ تَبْقَى مَنْكُوسَةً.
كَمَا ذَكَرَ الإِْمَامُ
أَحْمَدُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «الْقُلُوبُ
أَرْبَعَةٌ: فَقَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ سِرَاجٌ يُزْهِرُ: فَذَلِكَ قَلْبُ
الْمُؤْمِنِ، وَقَلْبٌ أَغْلَفُ: فَذَلِكَ قَلْبُ الْكَافِرِ، وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ:
فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ، وَقَلْبٌ تَمُدُّهُ مَادَّتَانِ: مَادَّةُ إِيمَانٍ
وَمَادَّةُ نِفَاقٍ، وَهُوَ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا» ([1]).
****
الشرح
يقولُ رحمه الله : فاستحضِر عُقوبات المَعاصي قبلَ أن تقعَ فيها، أي: فكِّر أيها العَاقل بالعَواقب، ولا تنظُر إلى اللذَّة العَاجلة، فإذا كانَ فيها لذةٌ فلا تنظُر إليها دُون النظرِ إلى عَاقبتها، فإن الإنسانَ العَاقل إذا تذكَّر عُقوبات المَعاصي تجنَّبها، وإنما يَقعُ فيها إذا غفلَ عن عُقوباتها وعمَّا تَؤول إليه، واللهُ جل وعلا بيَّن عُقوبات المَعاصي؛ ليَنفِر مِنها العَاقل.
الصفحة 1 / 436