فَصْلٌ
وَمِنْ أَعْظَمِ
عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ
تبارك وتعالى ، وَإِذَا وَقَعَتِ الْقَطِيعَةُ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ
الْخَيْرِ وَاتَّصَلَتْ بِهِ أَسْبَابُ الشَّرِّ.
فَأَيُّ فَلاَحٍ، وَأَيُّ
رَجَاءٍ، وَأَيُّ عَيْشٍ لِمَنِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ، وَقَطَعَ
مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ وَمَوْلاَهُ الَّذِي لاَ غِنَى عَنْهُ طَرْفَةَ
عَيْنٍ، وَلاَ بَدَلَ لَهُ مِنْهُ، وَلاَ عِوَضَ لَهُ عَنْهُ، وَاتَّصَلَتْ بِهِ
أَسْبَابُ الشَّرِّ، وَوَصَلَ مَا بَيْنَهُوَبَيْنَ أَعْدَى عَدُوٍّ لَهُ،
فَتَوَلاَّهُ عَدُوُّهُ وَتَخَلَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ؟! فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا
فِي هَذَا الاِنْقِطَاعِ وَالاِتِّصَالِ مِنْ أَنْوَاعِ الآْلاَمِ وَأَنْوَاعِ
الْعَذَابِ.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «رَأَيْتُ
الْعَبْدَ مُلْقًى بَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنْ
أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَلاَّهُ الشَّيْطَانُ، وَإِنْ تَوَلاَّهُ اللَّهُ لَمْ
يَقْدِرْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ» ([1]).
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذۡ
قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ
كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ
وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ
لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا} [الْكَهْفِ: 50] .
يَقُولُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ: أَنَا أَكْرَمْتُ أَبَاكُمْ، وَرَفَعْتُ قَدْرَهُ، وَفَضَّلْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَمَرْتُ مَلاَئِكَتِي كُلَّهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُ، تَكْرِيمًا لَهُ وَتَشْرِيفًا، فَأَطَاعُونِي، وَأَبَى عَدُوِّي وَعَدُوُّهُ، فَعَصَى أَمْرِي، وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِي، فَكَيْفَ يَحْسُنُ بِكُمْ بَعْدَ هَذَا أَنْ تَتَّخِذُوهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي، فَتُطِيعُونَهُ فِي مَعْصِيَتِي، وَتُوَالُونَهُ فِي خِلاَفِ مَرْضَاتِي وَهُمْ أَعْدَى عَدُوٍّ لَكُمْ؟
الصفحة 1 / 436